حوار حصري.. بنعبد الله: احتجاجات الريف وُظفت ولا علاقة لها بمشروع “الحسيمة”

0 656

يكشف الوزير السابق والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله، في الحلقة الثانية من الحوار مع “تيل كيل عربي”، الدور الذي لعبه قبل اعفاء عبد الإله بنكيران من مهة تشكيل الحكومة، كما يرد على الانتقادات التي وجهها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، لوزير الصحة السابق الحسين الوردي، ويتحدث عن إنجازات الأخير. بنعبد الله، تحدث بشكل مباشر عن أسباب الاحتجاجات التي اندلعت في الريف وهل لها علاقة بمشروع “الحسيمة منارة المتوسط”.

*وقفنا في الجزء الأول من الحوار عند نقاش “الزلزال السياسي” وتقرير جطو وما تحمله حزبكم من تبعات بسبب مواقفه. هل عندكم النفس الطويل للحفاظ على نفس مواقفكم واختياراتكم المعلنة؟

رغم ما حدث لحزب التقدم والاشتراكية، فهو يسعى دائما لتجنب ردود الفعل الذاتية، وينجح في هذه المهمة، ويظل في خدمة الوطن والمؤسسات، في ظل القناعات الديمقراطية العميقة التي لن نحيد عنها، وإلا سوف نتحول إلى شيء آخر. وإذا سرنا عكس قناعاتنا، فلا داعي لأن نستمر في الساحة السياسية.

قيمة حزبنا في أن يحتفظ بقناعاته وتوجهاته، لأن التميز والتعددية والتباين بين المواقف، أشياء أساسية للديمقراطية، ويجب أن يحتفظ كل حزب سياسي بهويته كما هي، أما إذا اصطف الجميع في نفس المكان وبنفس المقاربات، فلا أعتقد أن هناك فائدة من كل هذا لوطننا.

بصدد إعداد وثيقة تتحدث عن مساهمة وزراء التقدم والاشتراكية منذ تجربة حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في مختلف القطاعات

أود أن أكشف لكم أننا بصدد إعداد وثيقة تتحدث عن مساهمة وزراء التقدم والاشتراكية منذ تجربة حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، في مختلف القطاعات، بقرارات واضحة، حتى نُبين لماذا ساهم الحزب في الحكومات، ورداً على من يقول إننا نبحث عن المشاركة فقط، وإن كان هذا من حقنا، لأن الحزب السياسي موجود من أجل التدبير، ويذهب إلى المعارضة إن كان مضطراً فقط، المعارضة ليست اختيارا، بل هي اضطرار إذا لم تجد الصيغ المناسبة لبلورة تصور ما يوصلك إلى التدبير.

اقرأ أيضاً: حوار حصري..بن عبد الله يكشف كواليس “الزلزال السياسي” ومأزق ترميم الحكومة (2/1)
فوجئ المتتبعون عقب ذلك بانتقادات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني له، ونقل عنه وصفه إياه بـ”أسواء وزير صحة في تاريخ المغرب” خلال لقاء مغلق مع شبيبة حزبه. ما تعليقك؟

الحسين الوردي بحكم ما قام به وما أنجزه من إصلاحات، كان يحظى إما بالدعم المطلق والمساندة القوية، وإما بالانتقادات الشديدة. هناك أوساط حتى داخل العدالة والتنمية تساند الحسين الوردي بقوة، وبالمقابل يوجد من بينهم من لا يتفق مع هذا الرأي، ولا يمكن أن نفرض على أي كان أن يتخذ الموقف الذي نراه نحن صواباً.

في المقابل، أحب من أحب وكره من كره، وبشكل موضوعي، الحسين الوردي، ليس وزيراً مثالياً، ولكنه من أحسن الوزراء الذين مروا على المسؤولية في تاريخ وزارة الصحة منذ استقلال المغرب.

*يعني هذا أن حزبكم مقتنع بأن الوردي لم يخطئ وقام بدوره كما يجب

بالإنجازات وبالواقع الملموس، من السهل عليَ أن أتحدث عما حققه الوردي في وزارة الصحة، عوض عرض ما قمت به أنا مثلاً في القطاع الوزاري الذي كنت أشرف عليه، لذلك أشدد على أنه قام بواجبه وزيادة. ونفس الشيء بالنسبة لمحمد أمين الصبيحي في وزارة الثقافة، وأدعوكم هنا لمناقشة الأمر مع نساء ورجال الثقافة.

الحسين الوردي من أحسن الوزراء الذين تحملوا المسؤولية في وزارة الصحة منذ استقلال المغرب

*على ذكر الصبيحي أليس غريباً محاسبة وزير يُدبر قطاعاً ميزانيته محدودة جداً وأثرها يكاد يكون منعدما بفعل ما هو مرصود لها من إمكانيات

مسألة الميزانية بالنسبة لهذا القطاع مقلقة طبعاً. وكنا دائما نشدد على أنه لا يمكن أن نتوفر على سياسة ثقافية حقيقية في بلادنا، دون مراجعة نسبة الميزانية المرصودة لهذا القطاع.

الآن ما يهم، هو أن أمين الصبيحي قام بواجبه باقتدار، وباشر إصلاحات أسياسية مهمة، خاصة منها تلك الموجهة لعموم الشعب، وكان يُفضل كثيراً أن يوفر مكانة أرقى للثقافة الموجهة للمواطنين وفي كل الأقاليم، رغم الإمكانيات المحدودة المتوفرة لهذا القطاع.

*ألا ترى أنكم أخطأتم بالموافقة على الانخراط في مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” الذي صرح رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران أنه طالع توقيع اتفاقياته عبر الإعلام فقط

لا أتفق معك. بنكيران قال ما ذكرته فعلاً، ولكن بالنسبة لنا لم تكن المساهمة في مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” خطأ، ونحن ساهمنا في العشرات من البرامج من هذا النوع في طنجة وتطوان وفاس والرباط وسلا…

اقرأ أيضاً: الطوزي: “الزلزال” تقنيا تفعيل للدستور وسياسيا تطبيق لموازين القوى
*(مقاطعاً) مثل هذه المشاريع الضخمة يمكن الانخراط فيها دون مرورها عبر رئاسة الحكومة !

هذه البرامج كانت تُحضر بهذه الطريقة. أي أنه على المستوى المحلي، يتم الاتصال بعدد من القطاعات الوزارية المعنية، وتُجمع مختلف مساهماتها في إطار تصور عام، ويتم على هذا الأساس توقيع الاتفاقيات، هكذا كانت تتم الأمور.

ساهمنا وأنجزنا التزاماتنا كما أسلفت الذكر، وكنا في الموعد، نعم كان هناك تأخر في البداية، لكن قمنا باستدراكه بشكل كبير في نهاية المطاف.

ونفس الأمر ينطبق على كل المشاريع الموجودة في الأقاليم الأخرى، كلها بدون استثناء، عرفت تأخراً خلال الشروع في إنجازها، لأن البداية تكون دائما صعبة وتعرف تعثرات، سببها الإدارة والبيروقراطية والتوقيعات المختلفة الضرورية وغير ذلك.

*أمام كل هذا يظهر أنه ليس هناك ارتباط مباشر بين وتيرة إنجاز مشاريع “الحسيمة منارة المتوسط” والاحتجاجات التي عرفتها منطقة الريف ما عجل بإخراج تقرير المجلس الأعلى للحسابات

لست بصدد مناقشة الريف، وما حدث في المنطقة تعبير عن قلق وحاجيات لدى الساكنة.

*(مقاطعا) هناك ربط مباشر بين الحراك وتقرير جطو ونتائج “الزلزال السياسي”.

أكيد، لكن ما وقع في منطقة الريف موضوع آخر، كما قلت مرتبط بقلق معبر عنه لأسباب معينة، ومن دون شك تم استغلال ماحدث في الريف من طرف أوساط معينة، قامت بتوظيفه في اتجاه معين، وعندما توفر لنا الشروط، سوف نناقش هذا الموضوع.

مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” ليس السبب في اندلاع أحداث الريف

مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” ليس السبب في اندلاع أحداث الريف، والجميع يعلم ذلك، وليس هو الحل والعقد بالنسبة لهذا الموضوع.

*لماذا لم يطل تقرير جطو قطاعات وزارية أخرى، وأخص بالذكر وزارة المالية ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتجهيز والنقل

هذا السؤال يجب أن يوجه إلى من كُلف بإنجاز التقرير. أنا أتحدث عن أداء وزراء حزب التقدم والاشتراكية، وقدمت الأجوبة عن ذلك.

اقرأ أيضاً: العلوي: الزلزال السياسي كان يجب أن يطيح بوزراء آخرين
* ألا تعتبر أن اسقاط مشروع توفير السكن الموجه للطبقات الفقيرة والمتوسطة بأثمنة مناسبة من مشروع مالية 2018 كان إشارة قوية لما هو قادم؟

لحد الآن أتساءل لماذا رفض هذا المشروع؟ ! فعلاً كان فيه خير لقطاع العقار، وكان سيجلب معه رواجا اقتصادياً مهماً، بل أكثر من ذلك، أكد مختلف المعنيين بهذا القطاع، أن المشروع كان سينعكس بشكل إيجابي على وتيرة النمو الاقتصادي.

عدد من الأوساط الاقتصادية المختلفة، استغربت بدورها قرار سحب المشروع، لأنه بصدق وليس من منطلق ذاتي إطلاقا، كان سيحل معضلة السكن بالنسبة للأسر الفقيرة جداً بمنتوج سكني في حدود 120 ألف درهم للشقة، وكان يحمل كذلك أملاً للأسر التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في الحصول على سكن بثمن جد مناسب يراعي إمكانياتها المادية.

الآن ضاع ما ضاع وفات ما فات، ولا أريد الدخول مجددا في هذا النقاش، وأرى أنه سيكون من المفيد جداً العودة إلى المشروع، وأتوقع أنهم سيقومون بذلك، في غياب نبيل بنعبد الله، وأعتقد أن المشكل كان مرتبط أساساً بمن جاء بالمشروع وليس مضمون هذا الأخير.

من المفيد جداً العودة إلى مشروع السكن، وأتوقع أنهم سيقومون بذلك، في غياب نبيل بنعبد الله

*واكبتم إعداد مشروع قانون مالية 2018 ألا ترون أنه يحمل عدداً من الإجراءات التي تستهدف الطبقات الهشة والمتوسطة بعدد من الإجراءات؟

لا أعتقد أن هناك هذا البعد بالشكل الذي طرحته، قانون المالية يجسد استمرارية توجه معين، فعلاً لا يستجيب إلى نموذج تنموي واقتصادي جديد كما أكد على ذلك صاحب الجلالة، ومن الضروري أن نشتغل عليه مستقبلاً، لإخراج قوانين مالية تحمل مقاربة جديدة للتدبير المالي.

مثلاً على مستوى الاستثمار العمومي هناك المليارات من الدراهم لا تصرف وتكاد تصل إلى الـ60 مليار درهم، وهناك نقائص كبيرة على مستوى استغلال الموارد التي يتوفر عليها المغرب، كذا نقائص على مستوى التدبير الترابي الكفيل بإحداث تغيير ملموس، وكما قلت سالفاً، نجد مشاكل مرتبطة بموقع القرار الترابي، أين يكمن ومن محاسب وكيف ننفذ الميزانيات على المستوى الجهوي وما هو دور مجالس هذه الأخيرة في المسار التنموي. كل هذا لا يجيب عنه قانون المالية الحالي، ولا يمكن أن يجيب عنه أي قانون مالية قادم في غياب تأطيره بتصور تنموي جديد.

اقرأ أيضاً: هل تخفي الحكومة عن المغاربة الوضعية الحقيقية للميزانية؟ هذا ما قاله جطو في تقرير جديد
لننتقل إلى نقاش المؤتمر الوطني القادم لحزب التقدم والاشتراكية. أمام كل التحديات التي تواجهكم، نود أن نعرف قصة الولاية الثالثة؟

المشكل الأساسي بالنسبة للمؤتمر القادم ليس هو الولاية الثالثة من عدمها. أولا هذا الأمر ليس مطروحا داخل الحزب، ولنفرض أننا احتفظنا بالقانون الأساسي في صيغته السابقة، قبل تعديله خلال المؤتمر الاستثنائي، أكرر لنفرض أننا قمنا بذلك، كان بإمكاني أن أترشح للمرة الثالثة، لأنه بالصيغة المعتمدة حينها تجديد الولاية كان لمرتين، وأشدد على أن الأمر يتعلق بـ”تجديد” يعني لا تحتسب الولاية الأولى.

هذا الأمر غير مطروح، ومن الغريب جداً طرحه في هذه المرحلة ، لكن لاحظتم أن النقاش فيه انتهى بسرعة، لأن الجميع اكتشف أن “الزاوية القانونية راه ما وكلاش”.

نقاش الولاية الثالثة انتهى بسرعة، لأن الجميع اكتشف أن “الزاوية القانونية راه ما وكلاش”

التحديات الحقيقية التي سوف تطرح على المؤتمر، ليست مسألة استمرار بنعبد الله على رأس الحزب أو لا ، بل نحن أمام قضايا مهمة، من بينها، كيف يمكن أن نحافظ على تنظيماتنا الحزبية، في ظل هذه الأوضاع السياسية المعقدة.

ولأجل كل هذا، أطلقنا قبل شهور، خطة للتجذر في وسط المجتمع، واعتبرنا اليوم أن مناعة الحزب تقاس بقدرته على اختراق أوساط شعبية مختلفة.

نعمل على وثيقة سياسية، أعطينا ملامحها الأساسية خلال آخر اجتماع للجنة المركزية، أما الترتيبات الأخرى المرتبطة ببعض التموقعات ومع من سوف يكون حزب التقدم والاشتراكية، هذا الأمر مرتبط بتفاعلات خارجية ليست لنا مسؤولية كاملة عليها.

هل ترغب في الاستمرار على رأس قيادة حزب التقدم والاشتراكية؟

بكل صدق لم أحسم بعد قرار الترشح لمسؤولية الأمين العام.

*بعبارة أخرى، هل تحس بمسؤولية الاستمرار على رأس الحزب؟

عاش من عرف قدره، والتواضع شيء أساسي، هناك نسبة من القرار تعود إلي، لكن النسبة الكبيرة تعود للمؤتمرين من مناضلي الحزب. هاجسنا اليوم هو أن يستمر التقدم والاشتراكية، وأن يواصل أداء مهامه انطلاقاً من قناعاته.

ما نحتاجه وأكرر ذلك دائماً، هو الخروج من هذا المنطق المرتبط بالأشخاص، نحن في حاجة إلى انخراط تام لجميع الهيئات السياسية في الإجابة عن حاجيات المواطنين خلال محطاتها التنظيمية، من بينها ما جاء على لسان جلالة الملك محمد السادس، حين ذكر الحاجة لنموذج تنموي جديد، يساهم فيه الجميع كل من موقعه، باختلاف الآراء والتوجهات والأطروحات، مع السماح لهذه الأخيرة بالتعبير عن نفسها، سواء كانت يسارية أو يمينية أو إسلامية أو لبرالية.

يجب أن نبحث خلال المؤتمر القادم، كيف يتعين أن تُنظم الدولة، وكيف يتيعن أن ينظم القرار بالنسبة للمسؤوليات السياسية والترابية، وعندما نحاسب المسؤولين، مثل ما وقع في الحسيمة، علينا أن نفهم أين تكمن المسؤولية السياسية والترابية، هل عند الوالي أم عند رئيس الجهة أو الحكومة، وهل هناك تفويض حقيقي للصلاحيات.

نبحث خلال المؤتمر القادم، كيف يتعين أن تُنظم الدولة، وكيف يتيعن أن ينظم القرار بالنسبة للمسؤوليات السياسية والترابية

بل سوف نذهب أبعد من ذلك، بطرح، لماذا لم يقدر نموذجنا التنموي إلى حد الآن على تجاوز نسبة مرتفعة للنمو الاقتصادي رغم كل المجهودات التي بذلت؟ ولماذا ينجح في بعض جوانبه لكن عاجز عن تجفيف منابع البطالة والفقر؟ وكيف استطاع أن يُحدث تغيرات مهمة على مستوى البنيات التحتية لكنه لم يقاوم بالشكل الكافي التفاوتات المجالية والاجتماعية؟

لن يكون الحزب مرتبطاً أبداً باسم نبيل بنعبد الله، وإلا لا غاية لوجوده أصلا في الحياة السياسية.

* لماذا اخترتم الاصطفاف مع حزب العدالة والتنمية والساحة السياسية المغربية تتوفر على أكثر من حزب يساري بل هناك شبه قطيعة بينكم؟

لا أريد أولا أن أعلق على ما يحدث داخل حزب الاتحاد الاشتراكي. أما بالنسبة لباقي فصائل اليسار، أريد أن أقول: أولا، التواضع ضروري في العمل السياسي. ثانياً، لا يمكن لأحد أن يعتبر أن الحقيقة المطلقة معه. ثالثا، لا يمكن كذلك أن يأتي أحدهم ويقول في مقاربته للتحالفات بين أحزاب اليسار “قبل أن أتعامل معك، عليك أن تعترف بأخطائك وأن تقوم بنقدك الذاتي، وأن تراجع مواقعك وتلتحق بنا”.

اقرأ أيضاً: منيب: الزلزال السياسي مكياج.. ونخب العار سبب أزمتنا
*(مقاطعاً) هذا الكلام صدر عن الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد نبيل منيب

لا أريد أن أوجه كلامي للأشخاص ولا لهيئات بعينها، وأكتفي بالقول إن السؤال العريض اليوم: ما هو مسار ومصير اليسار في المغرب ودولياً ؟

والجواب الوحيد الممكن هو التواضع وإعادة النظر في الذات، مع امتلاك القدرة على القول إن الواقع السياسي يفرض اختيارات.

مثلاً، عندما قمنا نحن باختيار العمل مع العدالة والتنمية، قمنا بذلك لأننا لم نجد حينها إلى جانبنا سوى هذا الحزب، للدفاع عن ما نعتبره نحن المشروع الديمقراطي، يمكن أن نكون قد أخطأنا في اختيارنا، لكن تأكدوا أننا لم نتراجع عن هويتنا وقناعاتنا، والدليل على ذلك ما نعلنه ونمارسه وسوف نستمر في ذلك.

*يعيب كثيرون على حزب التقدم والاشتراكية أنه يطلب دائما أكثر من نصيبه بقياس حجم نتائجه في الانتخابات وخارطته التنظيمية الحزبية.

فعلا يحاول البعض مقارنة حزب التقدم والاشتراكية بين اليوم والأمس من حيث حضوره الانتخابي. أنا فعلاً غير راض على المستوى الذي نحن فيه، لكن في نفس الوقت، أستغرب من إغفال المقارنين لتاريخه، وما كان يحصل عليه في السابق وما حققه خلال المرحلة الأخيرة.

للتذكير، قبل 1977 لم يكن لحزب التقدم والاشتراكية أي نائب داخل البرلمان، ولم يكن له أي منتخب في الجماعات. بعد هذه الفترة بدأ يتوفر على بعض المنتخبين المحليين فقط، وظل داخل البرلمان يمثل برفيق واحد الراحل علي يعتة، ثم بعد ذلك برفيقين مع إسماعيل العلوي إلى حدود العام 1992. ثم استطاع الحزب أن يطور كثيراً آليته الانتخابية، وإن كان بشكل غير كافي.

وأمام كل هذا، يجب أن لا نغفل المعاناة التي عاشها الحزب خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، ونعتبر أنه على هذا المستوي أدينا ثمناً سياسياً.

*هل فعلاً تم استقطاب مرشحين كانوا محسوبين في وقت سابق على حزب التقدم والاشتراكية

ما وقع ليس استقطاباً، بل عدد من المقاعد كان يجب أن تعود للحزب، لكن أساليب معينة حالت دون ذلك، وما حصلنا عليه من نتائج لا يفي بالوزن الانتخابي والسياسي الحقيقي للتقدم والاشتراكية.

ما وقع ليس استقطاباً، بل عدد من المقاعد كان يجب أن تعود للحزب، لكن أساليب معينة حالت دون ذلك

*يمكن وصف ما وقع بأنه “سرقت” منكم مقاعد برلمانية ؟

على أي حال، عدد من الأوساط تعترف بأنه كان للحزب الإمكانيات لتجاوز العدد المطلوب بكثير لتكوين فريق برلماني، وهذا معروف ولا داعي للدخول في تفاصيله.

ومع ذلك، نعترف أنه أمامنا تحديات، وأنه في عدد من الأقاليم لا نتوفر على التعبئة الكافية لصالح الحزب. في المقابل نرفض أن ننخرط في حمى الشعبوية التي أصابت الخطاب السياسي خلال الانتخابات، ونرفض دائما أن نمارس خطاب الازدواجية خلال الحملات الانتخابية، نلعب فيه دور الانتماء للأغلبية والمعارضة دون تمييز بينهما.

نبحث اليوم عن بلورة آليات جديدة للتواصل مع المواطنين باستغلال وسائل التواصل الجديدة، كذا التواجد في قلب النسيج الجمعوي، والإنصات للحركات الاحتجاجية الموجودة في عدد من المناطق، وآخرها جرادة والحسيمة وغيرهما. المغرب تقدم كثيراً في الحقوق نظرياً، ولكن هناك إشكاليات كثيرة على مستوى التطبيق، مثلاً ما هو مرتبط بقضايا المرأة.

*تغيرت المعادلة داخل العدالة والتنمية بعد انتخاب العثماني كما تغيرت التقديرات لدى عدد من قيادات الحزب. هل سوف يطرح مؤتمر PPS هذه التحولات مع الأخذ بعين الاعتبار أن حزب “المصباح” تغير؟

نحن لم نُقدم على أي شيء في هذا الاتجاه. نتعامل إلى اليوم بناء على العلاقة بين المؤسسات وعلى أساس مقاربة سياسية وقرار مؤسساتي للهيئات المسؤولة الحزبية، وإذا كانت نفس الرغبة لدى إخواننا في العدالة والتنمية مرحباً، وإذا تغيرت الأمور، فذلك شيء.

اقرأ أيضاً: “ليلة سقوط” بنكيران..
*هل لمستم من جهتكم تغيراً في مواقف العدالة والتنمية تجاه التحالف مع حزبكم بعد مرحلة بنكيران؟

دائما الجوانب الشخصية يمكن أن يكون لها دور، ويمكن أن يكون لها أثر على مستوى المتانة الممكنة للعلاقة وصيانتها، وهذا الأمر ينطبق على كافة المستويات حتى في العلاقات بين الدول، لكن ما نتمناه هو أن تكون الأمور مرتبطة بقناعات وتوجهات وبرامج وتصورات كما ننظر إليها.

العلاقة التي جمعتنا بحزب العدالة والتنمية مرتبطة بضرورة صيانة مشروع ديمقراطي وطني قادر على مواصلة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإذا توفرت الشروط المواتية لذلك مع العدالة والتنمية أو غيره من الأحزاب، سوف نبني دائما تصورات تحالفاتنا على أساس الأهداف والبرامج، وهذا ما جعلنا في مرحلة ما نشتغل معهم.

*ماذا كان مولاي اسماعيل العلوي يقصد عندما تحدث عن “التعليمات الملكية” ؟

اسماعيل العلوي تفاعل مع سؤال وجه إليه، مرتبط بتوصلنا بتعليمات سامية لمواصلة المشاركة في الحكومة الحالية، وهو أكد أن الأمر لم يتعلق بتعليمات، وفعلا الأمر تعلق بطلب وجه إلينا، والحزب تعامل معه على هذا المستوى، وتدقيق تصريحه من الناحية اللغوية والسياسية يوضح أنه عادي ولا يستحق كل هذا الكلام.

* ما رأي حزب التقدم والاشتراكية تجاه جدل مجانية التعليم الذي حمله قانون الاطار الخاص بالتربية والتكوين؟

أولاً، الجميع يُقر بأن التعليم يعيش أزمة، وعلينا أن نقر كذلك بضرورة فعل شيء لإنقاذه، وإذا ما كان هناك زلزال يجب أن نواجه به وضعية ما، يجب أن يطال هذا الزلزال قطاع التعليم.

ثانياً، هناك عمل تم القيام به، شاركت فيه مكونات متعددة ومختلفة، في إطار المجلس الأعلى للتعليم، وأفضى ذلك إلى وضع وثيقة تتضمن تصوراً، وهذا الأخير بعد مناقشته تحول إلى قانون إطار، وهو لا يتكلم فقط عن موضوع مجانية التعليم، بقدر ما هو أشمل، وهناك مكتسبات كثيرة جاء بها يجب أن ندخلها في القطاع.

اقرأ أيضاً: الحكومة تنحني جزئيا للعاصفة وتتعهد بتعليم أبناء الفقراء مجانا
الآن ما نحن مقتنعون به في حزب التقدم والاشتراكية، هو أن هناك بعض الإشكاليات الأساسية، وعلى رأسها وضع المدرسة العمومية، ولن نتمكن من الرفع من شأن مجتمعنا دون إصلاح التعليم، عبر الإجابة عن حاجيات الأسر الفقيرة والمتوسطة.

مشكل المجانية يجب أن يطرح بشكل أوسع، يستحضر الدخل المحدود لفئات شعبية واسعة، ومن لا دخل له ومن له دخل متواضع جداً ومن له دخل لا يمكنه من سد أهم حاجيات أسرته، هذه الفئات لا يمكن اثقال كاهلها بمصاريف إضافية تهم رسوم التسجيل أو غيرها.

في المقابل، هناك أسر غنية وأسر تنتمي للطبقة المتوسطة العليا، لها إمكانيات، لذلك يجب أن تساهم في ضمان موارد للتعليم العمومي.

إذا ما كان هناك زلزال يجب أن نواجه به وضعية ما، يجب أن يطال هذا الزلزال قطاع التعليم

*أخيراً أود أن أعود بك إلى مرحلة البلوكج السياسي خلال تولي بنكيران تشكيل الحكومة. من وجهة نظرك من يتحمل المسؤولية.

“لي فات مات”. أنا لست معلقاً سياسياً، بل فاعل سياسي وهذه الأحداث مرت.

حينها سعيت شخصياً ورفقة الحزب، من أجل إنجاح إمكانية تشكيل حكومة يرأسها عبد الإله بنكيران، لم نصل إلى هذه النتيجة، وهذا أمر حسم الآن، هناك حكومة أخرى يترأسها سعد الدين العثماني و”البكا من مورا الميت خسارة”.

قمنا بمجهودات وحاولنا أن نلعب دور الوساطة، وإن كان البعض لم يرقه ذلك، لكن على أي حال لعبنا هذا الدور، ولم نوفق في ذلك، كما قلت نحن أمام حكومة جديدة ينتظر منها الشعب الإيفاء بالتزاماتها.

قد يعجبك ايضا

اترك رد