مركز السلطة المحلية بجماعة تغدوين وانتظار أحد الموظفين بصبر أحر من الجمر والمواطنون في إحباط نفسي

0 740

دخل ابراهيم باب مركز السلطة المحلية بجماعة تغدوين ، فإذا به يفاجئ بحشد لا بأس به من المواطنين ، ينتظرون بصبر نافذ أحد المسؤولين كي يخلصهم من عبء الانتظار المقيت، قد يأتي متأخرا وقد لا يأتي بالمرة ، تماما كشخصية “غودو ” “Godot” في مسرحية للكاتب الإيرلندي صامويل بيكيت Samuel beckett, فرغم كونها عملا أدبيا متخيلا ، إلا أن ما تتضمنه من نزعة تشاؤمية منطوية على مشاعر البؤس و الإحباط ، قد يجد له موطئ قدم في إداراتنا العمومية و التي تفتقد لجل مفاهيم المرفق العمومي .
كل المكاتب مفتوحة على مصراعيها ومؤثثة بموظفين غير وظيفيين!!! أجل فما داموا لا يمتلكون حق التصرف في أبسط الوثائق الإدارية فهم حتما غير و ظيفين ، و وجودهم داخل المكاتب يعد مجرد تمويه للمواطنين ، مفاده أن كل شيء جميل و يجري بخير هنا ، و أن السير العادي للعمل مضمون ما دامت أبواب مؤسستنا مفتوحة….
إزداد الترقب والانتظار ، و أعناق المواطنين تشرإب بين الفينة و الأخرى عساها ترمق مسؤولنا ” غودو ” الذي يعيش خارج الزمن الإداري لموظفي الدولة ، متصرفا فيه بمحض إرادته المزاجية متعاليا عن القانون ، و كأنه يشتغل في مزرعة أبيه التي تحكمها أعراف العائلة و توافقاتها.
ظل إبراهيم واقفا تعتصره الحسرة و الألم الممزوج بحر الصيف وهو يتفرس ملامح مواطنين بؤساء ، محاولا قراءة تقاسيم وجوههم الصارخة و التي تحكي ألما قاتلا و انكسارا عنيفا ، و إن بلغة الصمت الرهيب، بيد أن الصمت أحيانا يعد تعبيرا صارخا عن واقع أتعبنا الحديث عنه في حضرة آذان طاغية ، و كأن هؤلاء يودون اختبار الصمت كنوع آخر من التمرد ، مر الزمن مثتاقل الخطى ، و حومت الشمس في العلا إيذانا بالغروب ، لتخلف المواطنين في ظلمة استهتار المسؤولين بمصالحهم الإدارية ، و هم ينشدون أمل اللقاء ب ” غودو ” في اليوم الموالي….
حل الصباح بائسا ، وقدم إبراهيم يطارد شهادة سكنى ليومين كاملين حتى أحس بإحباط شديد و تحسر كثيرا عن القدر الذي حتم عليه أن يولد في تلك الرقعة ، فكم تعب أبوه من قبل لكي يتبث ميلاده هناك و كذا الاسم الذي يحمله اليوم ، و هاهو اليوم يتوسل ” غودو ” كي يشهد له عن سكناه في مستنقع الفساد ذالك، و كما هو معتاد في إدارتنا تسلل إبراهيم بين حشود المواطنين حتى وجد له موطئ انتظار لمدة ساعة و نصف من الوقوف المتعب ، لأن الكراسي هناك لا تتعدى الأربعة ، و عادة ما تكون من نصيب شيوخ مرهقين بالكامل…. و فجأة ظهر ” غودو ” و هنا تمفصلت مسرحيتنا المأساوية مع مسرحية ” صامويل بيكيت ” ، أخير قدم المسؤول ” غودو ” وهو يمشي بكبرياء و شموخ و ثقة زائدة كأن شيئا لم يقع ، مكتسيا ببذلة أنيقة و نظارات شمسية داكنة تخفي الكثير من الغموض ، جلس ثم شرع يمضي في ثواني معدودات ما أهدر عليه المواطنون يومين و ثلاثة….
لقد اشتملت مسرحية ” غودو” على الكثير من حالات العبث و الفوضى و الاستهتار ، و جل معاني اليأس و الإحباط جراء إنتظار شخص وهمي لن يأتي أبدا ، غير أنها تحاكي إلى حد كبير ما نعيشه من تراجيديا مأساوية داخل إداراتنا اللاعمومية و اللامواطنة و التي تكرس التقاعس و التملص ، و تغدي الإحباط النفسي كما تنتج حزازات و عقد نفسية قد لا تكون في صالح الوطن بتاتا.

عبد الكريم الناضري
الجمعة 03 غشت 2018

قد يعجبك ايضا

اترك رد