موسم الهجرة إلى الملحون بأزمور .. نحو تهذيب الوجدان واكتناه الجمال في كل مظاهر الحياة

0 980

لم يخلف الملتقى الدولي لفن الملحون بأزمور موعده ، الذي يضربه كل سنة مع عشاقه ، حيث حط الرحال خلال الشهر الفضيل ، بهذه المدينة ، في إطار لمة فنية موسيقية وروحانية ، تروم المساهمة في تهذيب الوجدان واكتناه الجمال في كل مظاهر الحياة .

فهذه المدينة ، التي أنتجت شعراء في فن الملحون أمثال أحمد بن رقية ومحمد بن مسعود وادريس رحمون ، تصر أن تواصل هذا المسار الفني من خلال هذا الملتقى الدولي، الذي بلغ دورته الثامنة ، وعزز بذلك من حضوره وإشعاعه الوطني والدولي.

وإذا كانت هذه اللمة الفنية الروحانية السنوية قد ضمنت استمراريتها وعززت من حضورها ضمن خارطة الملتقيات والمهرجانات الوطنية ، فإن الفضل في ذلك يعود للغيورين على هذا التراث الأصيل ، ولكوكبة من الباحثين والجامعيين .

ويعد عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري من أبرز الباحثين والجامعيين ، الذين ساهموا في تطوير شعر وفن الملحون ، وهو ما دفع المنظمين للاحتفاء به من خلال تخصيص هذه الدورة له ” دورة فضيلة الدكتور عباس الجراري “، كاعتراف بعطاءاته ، واهتمامه مبكرا بالملحون من خلال أبحاث ودراساته ، التي تحولت إلى مرجع لا محيد عنه بالنسبة للدراسين والطلبة .

كما أن توالي أجيال العازفين والمنشدين والمبدعين ، الذين اختاروا فن الملحون سبيلا لمساراتهم الفنية ، ساهم في الحفاظ على هذا التراث الأصيل وتجديده وبعثه ، بيد أن ولوج العنصر النسوي للمساحات الفنية الملحونية ، أداء وعزفا، أضاف للملحون لمسة جمالية وروحانية مغايرة ، وهو ما يتمظهر في جانب منه في الحضور القوي لنساء وشابات مغربيات ضمن المشهد الغنائي للملحون .

وبالنسبة للملتقى ، فإن هذا الحضور يتمظهر في مشاركة فنانات ووجوه نسائية في ملتقى أزمور ، كسناء ماراحاتي وشيماء الرداف وأخريات ضمن أجواق وفرق قادمة من مختلف مناطق المملكة .

على أن تحصين الملحون وصونه كتراث ثقافي لامادي ، والذي يضعه ملتقى أزمور كأحد أهدافه ، ينبع من الحرص على ضمان امتدادات هذا الفن المغربي الجميل والأصيل ، الذي عرف بداياته وإرهاصاته الأولى ، حسب بحوث الدكتور الجراري ، في العهد المرابطي والموحدي مع شعراء منهم ، ابن غرلة ، وعبد المومن الموحدي ، وميمون ابن خبازة ، ومحمد بن حسون ، وابن سبعين ، والكفيف الزرهوني وغيرهم .

لكن هذا الفن لم يعرف اكتمال نشأته وذروة إبداعه إلا خلال القرنين 18 و19 الميلادي ، حيث اكتملت أوزانه واتسعت أغراضه وتعابيره وأساليبه البلاغية .

لقد شكل شعر الملحون مرآة للمجتمع المغربي ، لأن شعراء هذا الفن تمكنوا من التفاعل مع قضايا كل الفئات الاجتماعية ، وعلموا على استثمار لحظات فريدة منها ضمن أشعارهم ، التي تغنت بها أجيال عديدة ، وامتعت كل المغاربة ، وما تزال خلال أزمنة متفرقة.

وشكل فن الملحون في كل المراحل التاريخية حالة وجدانية يعيشها المجتمع المغربي في أفراحه وأحزانه، بالنظر لتجذر هذا الفن في وجدان الناس داخل الوطن وخارجه ، حيث حرص مجموعة من الفنانين على حمله لديار المهجر ، للتغني به والمساهمة في نشر إشعاعه، ومنهم سعيد النجاع الذي سافر بالملحون إلى أجواء بلجيكا.

ويشارك في ملتقى ازمور، الذي ينظم من 24 حتى 27 ماي الجاري تحت شعار” فن الملحون المغربي بين مظاهر الخصوصية والتفرد وملامح الإشعاع والامتداد”، فرق ومجموعة من الفنانين من المغرب وبلدان أخرى .

وتروم هاته التظاهرة ، المنظمة من قبل من قبل الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية تحت إشراف عمالة إقليم الجديدة ، المساهمة في الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الأصيل.

وحسب المنظمين ، فإن هذه التظاهرة تكتسي أهميتها، في ضوء إطلاق مبادرة هامة لتسجيل الملحون ضمن لائحة التراث الثقافي اللامادي لدى منظمة (اليونسيكو)، وذلك خلال لقاء تشاوري نظمته أكاديمية المملكة المغربية ووزارة الثقافة بتاريخ 9 يناير 2018 .

وتمت الإشارة كذلك إلى أن أهمية هاته التظاهرة تكمن أيضا في تكريم الدكتور عباس الجراري خلال هذه النسخة ، التي حملت هاته الدورة اسمه ” دورة فضيلة الدكتور عباس الجراري” كاعتراف بعطاءاته الكثيرة في مجال البحث العلمي المتعلق بالملحون .

ويشمل برنامج هذه الدورة المنظمة بدعم من مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ، والمجلس الإقليمي للجديدة ، والجماعة الترابية لأزمور، فضلا عن الأمسيات الفنية الموسيقية ، عقد ندوة علمية تحت عنوان ” فن الملحون المغربي .. بين مظاهر الخصوصية والتفرد وملامح الإشعاع ” بمشاركة باحثين وجامعيين.

قد يعجبك ايضا

اترك رد