الإيمان بالمسرح ورسالته قناعة ثابتة وجذوة محركة لإبداعه وتلقيه (الناقد المسرحي القطري حسن رشيد)

0 469

على الرغم من حالة “الانطفاء” التي يعيشها المسرح العربي حاليا، يؤكد الناقد المسرحي القطري حسن رشيد، بيقين تام، أن الايمان بالمسرح ورسالته ما تزال قناعة ثابتة تواصل، في المقابل، كجذوة دائم ة الات قاد ، ت ح ريك الفعل المسرحي إبداعا وتلقيا.

بخلفية مسرحية نقدا وكتابة، ظل المسرحي حسن رشيد، في حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء، يحمل قناعته بأهمية المسرح ورسالته رغم هوس الصورة والرقمنة الذي بات سمة اللحظة التاريخية، وكذا حالة “البيات” التي يوجد عليها المسرح العربي، مع الأمل في أن تكون مؤقتة ومرحلة باتجاه وثبات إبداعية مستقبلا. كل ذلك وأجواء أبريل ما تزال تحتفظ ببعض احتفاء، مر خافتا هذا العام باليوم العالمي للمسرح.

يرفض حسن رشيد، وهو يحمل الى النخاع هم المسرح العربي، وليس فقط القطري، توصيف ما يعيشه المسرح العربي بأنه “مشكلة أو ازمة أو صراع”. يأبى إلا أن يترك منافذ لرؤية الضوء المؤدي الى آخر سرداب المرحلة، بل يعتبر من سوء القياس بالنظر للفارق في التجربة زمنيا، أن ي قي م المسرح العربي بأدوات تقييم نظيره الغربي الممتد زمنيا بخلفية تحمل متنوعا فلسفيا وثقافيا إنسانيا موسعا.

والعهدة هنا، برأي صاحب المجموعتين المسرحيتين “الظل والهجير” و”الصوت والصدى”، على التاريخ الذي يؤكد أن عمر المسرح العربي لا يتجاوز قرنا ونصف القرن، وان البداية كانت “عند الشوام في 1845، فيما “لم تتجاوز أكثر من 70 سنة في الكويت والبحرين، ولم تتعداها، إذا جاز اعتبار الانطلاقة في 1970، الى أكثر من 48 سنة في قطر والإمارات وسلطنة عمان”.

يصر حسن رشيد، الذي لم ي ق ص ر ابداعه على المسرح والنقد، بل تجاوزه الى القصة القصيرة والمقالة وصحافة الإذاعة، على أنه بالرغم من وجود إرهاصات سحيقة القدم ، يرجعها البعض الى عروض شبيهة أو قريبة من الفعل المسرحي، فإن المسرح لا يستقيم كجنس فني إلا إذا اكتملت شروط العرض، بدءا من النص والحوار والممثلين، مرورا بالإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقى والديكور والركح والجمهور وغيرها من أدوات الفرجة.

وبحنين خاص الى سمة التوهج التي طبعت، برأيه، المسرح العربي من السبعينيات الى التسعينيات، يرجع حسن رشيد، الحاصل على دكتوراه في فلسفة الفنون من أكاديمية الفنون بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، خفوت هذا الوهج الى تعدد القنوات الفضائية، واستقطاب الدراما التلفزيونية لطرفي العملية الإبداعية المسرحية من متلقين ومبدعين، واستمراء المبدعين لما توفره هذه الدراما من شهرة وكسب مادي سريعي المنال، وغياب الطابع المؤسساتي، وطغيان خاصية “الموسمية” في دعم المسرح واحتضانه، وتأثر الأمر بميول المشرفين على القطاع وبتغير تموقعهم على خارطة صنع القرار الفاعل في مصير العمل الثقافي.

ولا تخلو الساحة، برأي كاتب “تطور حركة النقد في دول مجلس التعاون (1965-1990″، من عاشقين للمسرح لا يبتغون عن حضنه بديلا مقيما، مهما كانت التحديات او التضحيات، يقودهم البحث عن متعة ولذة الفن المسرحي ورسالته التنويرية، وما يوفره الركح من دينامية وتفاعل مباشر بالمتلقين؛ وما يحمله من مباهج الإحساس باكتمال الأداء في حضرة حركة الجسد وترنيمة الصوت وامتداد الزمن وم ت خ ي ل الفضاء الم ت س ع في محدوديته.

يؤكد الناقد القطري، صاحب دراسة “المرأة في المسرح الخليجي”، أنه ما يزال هنالك مؤمنون، مهووسون برسالة المسرح في قطر من خلال أسماء على الخصوص؛ كعبد الرحمان المناعي وناصر عبد الرضى وفيصل الرشيد، في قائمة تطول لتمتد عبر العالم العربي وصولا الى المغرب من خلال أسماء “كعبد الكريم برشيد يونس لوليدي وعبد الرحمان بن زيدان ومحمد الجندي ولطيفة احرار” وغيرهم كثير ممن له معرفة شخصية بهم أو ممن تعرف على إنتاجاتهم من بعيد.

وفي قلب هذه الجهود التي تبدو فاعلة على نحو ذهبي في مد المسرح بجذوة الاستمرارية، على الرغم من شروط الكمون الحالية، لم يفته أن يتساءل بحسرة عن مصير مسرح دمشق وبغداد و”المسرح التجريبي لقاهرة المعز”، في ظل الظروف الحالية، وما أضاعه غياب هذه المدارس على المسرح العربي من فرص للدفع به صوب تجارب أكثر غنى.

ولكنه، وهو من ي ب قي بحماسته المليئة بدينامية الشباب على الآمال العريضة، أصر على أن هناك دائما ما يمكن القيام به لتصحيح المسار واستعادة التوهج الضائع وإيقاظ الجذوة المستكينة لمسرح عربي هو، بيقين الجميع، على قمة الفنون لأنه مجمعها ومشتلها الحقيقي. ولن يكون لهذا التصحيح أن يتم، برايه، إلا عبر الدعم؛ سواء من خلال ارسال البعثات لتوفير فرص الاحتكاك بالمبدعين الاخرين من ثقافات وافاق فنية أخرى، أو عبر إقامة مهرجانات مسرحية “حقيقية” ببرامج فعالة لها تأثيرها الفني والثقافي الواضح، وأيضا، وذلك هو مربط الفرس، تمكين المنقطعين للعمل المسرحي من وظائف في القطاع العام توفر لهم كرامة العيش بمدخول ثابت ليواصلوا مغامرة الانجذاب نحو الركح بمباهجه وإحباطاته ومكاسبه الهزيلة.

وعن سؤال الإبداع والهوية والسياسة والهموم الإنسانية في المسرح القطري، يؤكد كاتب “القضايا الاجتماعية في الدراما القطرية..دراسة في المسرح القطري”، أن الهم الاجتماعي، من خلال بعض القضايا اليومية العادية كتعدد الزوجات وغيرها من الانشغالات الأسرية سجلت جوهر اهتمام البدايات في المسرح القطري مع ميل لدى مسرحيين، على راسهم عبد الرحمان المناعي لاستلهام التراث من حكايات وأهازيج فلكلورية، واستحضار البحر كمعادل موضوعي للحياة، والنوخذة (قبطان السفينة في التراث الخليجي) كوسيلة ومعبر لتعرية الواقع المعيش.

أما بحث السؤال السياسي فجاء، برأيه، من خلال تقديم أو اقتباس أعمال لمسرحيين من خارج الوطن العربي أو لمبدعين عرب مثل كتابات المسرحي السوري سعد الله ونوس (1941- 1997) من خلال مسرحيتيه (الفيل يا ملك الزمان ورأس المملوك جابر) و(حفلة سمر من أجل 5 حزيران) وأيضا المسرحي المصري محمود دياب (1932 -1983) وايضا المصري محفوظ عبد الرحمان (1941-2017)، مستحضرا في هذا الصدد مسرحيتي (هلوا غولف) و(أمجاد يا عرب) للمسرحي القطري غانم السليطي.

وجوابا على سؤال حول مدى أهمية تناول المسرح لمواضيع ذات أبعاد سياسية آنية، حرص الناقد المسرحي القطري على لفت الانتباه الى أن ارتباط العمل المسرحي بالآنية يفقده قدرته على التواصل وهو عابر ومقيم في الزمان ومتفاعل معه، وينهي بالنتيجة رسالته عند حدود زمنية منذورة بالتأكيد للتغير.

واعتبر أن الأجدى عند تناول البعد السياسي أن تترك مسافة زمنية يتم فيها اختمار الموضوع وتتبين فيها مآلاته، واستحضر كمثال على هذا “التوجه الناجح” ما أنجزه المسرحي عبد الرحمان الشرقاوي (1920-1987) في عمله “الحسين ثائرا وشهيدا” والتي كتبها على بعد زمني يقدر ب 1300 سنة من الحدث، على أن المسافة الزمنية تبقى هنا، برايه، نسبية ورهينة بوضوح الرؤية واستقرار الحالة موضوع العمل.

وعلى المتلقي في حضرة المعنى السياسي أن يكون، برأيه، كيسا ليتوصل الى المعنى وعلى الكاتب ان “يتمتع بقدرة التفلت بذكاء من الرقابة لتكتمل دائرة تبليغ المراد وحصول جرعة التفاعل المطلوبة” بين المرسل؛ وهو هنا المسرح في تعدد فاعليه وأدواته، والمتلقي وهو المشاهد المتابع للعرض.

وعن قيمة النص المسرحي كنص معروض للقراءة، أبدى الناقد والمسرحي القطري، والذي توجد لديه نصوص مطبوعة معروضة للقراءة، أنه من الصعوبة بمكان، خاصة في زمن تفتر فيه القراءة بل وقد تنعدم لدى شرائح عريضة من المجتمع العربي، أن تمتد مساحة ما هو متبق منها على ضيقها لتشمل النص المسرحي ويحصل الاستمتاع المطلوب، بينما القاعدة بالنسبة لهذا النص أن قيمته لا تكتمل دون تحقق شروط العرض وسحر الركح ونشوة التفاعل المباشر ما بين المتلقي والعرض.

قد يعجبك ايضا

اترك رد