الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تحيي اليوم الدولي للديمقراطية بتأكيد استمرار نضالها إلى جانب كل القوى الديمقراطية والحية في البلاد : من أجل مجتمع الكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان
كما كل سنة، تحيي الحركة الحقوقية والديمقراطية المغربية إلى جانبشعوب العالم قاطبة، في 15 من شهر شتنبر، اليوم العالمي للديمقراطية، تعبيرا منها عن استمرار نضالها ضد أنظمة الاستبداد والقهر والاستغلال، ومن أجل بناء مجتمعاتها، على أسس تستجيب لتطلعاتها إلى الحرية والكرامة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإلى عالم يسوده السلم والتضامن بين الشعوب.
وقد اتخذت الأمم المتحدة، هذه السنة، موضوع ” الديمقراطية ومنع الصراعات” كشعار لليوم الدولي للديمقراطية؛ وذلك للتأكيد على دور الديمقراطية في تعزيز السلام والاستقرار، وإقامة حكم فعال وشامل يحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون، استنادا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يحدد بوضوح مفهوم الديمقراطية، حينما يقول” إن إرادة الشعب أساس لسلطة الحكومة“.
ولعل ما يميز تخليد شعوب العالم، هذه السنة، لليوم العالمي للديمقراطية، هو أنه يجري في ظل أوضاع مطبوعة بما يلي:
· على المستوى الدولي:
مواصلة القوى العظمى ممارسة نزوعاتها الرامية لإخضاع الشعوب والأمم لنظام الهيمنة والعولمة الليبيرالية المتوحشة، ومصادرة حقها في السيادة وتقرير المصير؛ مما أدى إلى توسيع دائرة بؤر التوتر والفوضى والعنف والإرهاب، التي تتخذ، في بعض الحالات، مظهرا دينيا أو إثنيا أو طائفيا، مطيحة بآمال الشعوب في التحرر والديمقراطية؛ هذا في مقابل تنامى الوعي لدى الشعوب وقواها الديمقراطية، بأهمية النضال من أجل إقرار كافة حقوق الإنسان بأبعادها الكونية والشاملة.
· على المستوى الإقليمي:
استمرار التدخل الأجنبي الإمبريالي السافر بتواطؤ مع الأنظمة الاستبدادية، في المنطقة العربية والمغاربية، خدمة لمصالحه الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية؛ مما أفضى إلى تدمير البنى الأساسية وتقويض المقومات الضرورية للحياة الكريمة والآمنة، وتسبب في إشعال نار الحروب والنزاعات الطائفية والعرقية في مجموعة من الدول، مع ما تحتمله من تهديد بالتقسيم القسري لكيانات الشعوب؛
تمادي الكيان الصهيوني في اغتصابه للأراضي الفلسطينية، وفي تقتيل واعتقال وتعذيب أبناء الشعب الفلسطيني، وتدمير المزارع والمنشآت وتشويه المآثر التاريخية والمعابد سعيا منه لمحو الذاكرة والتاريخ الفلسطيني؛
ومن جانب آخر، ما انفكت معاناة الشعوب الإفريقية تزداد استفحالا وتعمقا، جراء الحروب وتفشي الفقر والأمية، وازدياد عدد اللاجئين والمهاجرين، والنهب المتواصل لخيراتها، والاستغلال الصارخ لمواردها الطبيعية، والانتهاك المتكرر للسيادة الشعبية بعدد من بلدانها.
· وعلى المستوى الوطني:
لازال المغرب يرنو إلى احراز تحول حقيقي نحو الديمقراطية، سواء على مستوى الدستور والتشريعات، أو على صعيد الممارسة والواقع . فرغم إفراد دستور 2011، باب خاص للحريات والحقوق الأساسية، إلا أنه يظل دستورا لا تتوفر فيه ضمانات تمتع المواطنين والمواطنات بحقهم في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة؛ وهو ما تعكسه السياسات العمومية وواقع حقوق الإنسان، والتي من مؤشراتها البارزة:
ــ تكريس احتكار السلطة والثروة، ورهن القرار السياسي والاقتصادي للبلد للقوى العظمى ومؤسساتها الاقتصادية والمالية؛
ــ الإنزال المتواتر والممنهج لحزمة من الإجراءات والقوانين التراجعية، التي تنحو نحو المزيد من الإجهاز على حقوق المواطنين والمواطنات؛
ــ الاعتماد على المقاربة الأمنية كخيار لمواجهة الاحتجاجات المتزايدة والمتسعة رقعتها، عبر قمع الاحتجاجات، واعتقال النشطاء الشباب بالمئات، وفبركة الملفات، وتسخير القضاء لاستصدار أحكام قاسية وجائرة، في محاكمات تنتفي فيها معايير المحاكمات العادلة؛
ــ التضييق الممنهج على الحركة الحقوقية والديمقراطية، ومحاصرة الصحافة المستقلة واعتقال الصحافيين ومتابعتهم ومحاكمتهم بموجب القانون الجنائي…
والمكتب المركزي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ يحيي اليوم العالمي للديمقراطية، يؤكد على أن بناء الديمقراطية وتشييد دولة الحق والقانون، التي تعد العلمانية إحدى مواصفاتها، يمر أساسا عبر:
ــ إقرار دستور ديمقراطي، من حيث منهجية صياغته من طرف ممثلي الشعب وقواه الديمقراطية والحية، ومضمونه الديمقراطي المتلائم مع التزامات المغرب في مجال حقوق الإنسان، وأسلوب المصادقة النهائية عليه بواسطة استفتاء ديمقراطي حر ونزيه؛ يقر بالسيادة الشعبية كأساس ومصدر لكل السلطات؛
ــ التأسيس للجهوية الديمقراطية المبنية على المميزات الثقافية والتاريخية، وعلى التضامن بين الجهات، ورفع وصاية وزارة الداخلية على الإدارات الترابية المحلية والإقليمية والجهوية؛
ــ دمقرطة مدونة الانتخابات وكافة القوانين المرتبطة بالعملية الانتخابية، وقانون الأحزاب، واتخاذ سائر الإجراءات التنظيمية والإدارية والعملية لضمان انتخابات حرة ونزيهة، تعبر نتائجها عن الإرادة الشعبية، وتتجاوز ما عرفته الانتخابات في السنوات الأخيرة من غياب الديمقراطية الحقة، واستمرار تدخل السلطات وطغيان المال، مما جعل بلادنا لم تخط بعد خطوات حاسمة نحو الديمقراطية؛
ــ اتخاذ التدابير الدستورية والتشريعية والإجرائية لإقرار القضاء كسلطة مستقلة وتطهيره من الفساد وتنفيذ جميع أحكامه، بما فيها تلك الصادرة ضد الدولة والإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية وذوي النفوذ، مع ضمان حق المواطن (ة) في مجانية التقاضي، وفي الولوج إلى القضاء والمحاكمة العادلة والمساواة بين جميع المواطنين والمواطنات أمامه.
كما يؤكد المكتب المركزي تشبث الجمعية بمواصلة النضال الوحدوي، وبذل كل التضحيات من أجل الكرامة وسيادة حقوق الإنسان ببلادنا وعبر العالم، ويدعو كافة الديمقراطيات والديمقراطيين ببلادنا إلى المزيد من التعاون لتحقيق المطالب والأهداف الأساسية للحركة الحقوقية. وفي هذا الصدد يعرب عن اعتزازه بالميثاق الوطني لحقوق الإنسان، والذي يعد أرضية مهمة للعمل المشترك للحركة الحقوقية، ووثيقة مرجعية لها في نضالها من أجل بناء دولة الحق والقانون، وفرض احترام الحريات وكافة حقوق الإنسان للجميع ببلادنا ويدعو الجميع لتفعيله.
وأخير فإن المكتب المركزي يشدد على أن بناء الديمقراطية على المستوى الوطني يتفاعل بدوره مع تشييدها على المستوى الدولي، الأمر الذي يستوجب التصدي للعولمة الليبرالية المتوحشة ووضع أسس عولمة بديلة قوامها احترام حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، وتكثيف مجهودات وتوحيد عمل قوى التقدم والديمقراطية والسلم عبر العالم، والتصدي للهيمنة الإمبريالية وتحكمها في مصير الشعوب ونهب خيراتها، وما تسببه من مجاعات وكوارث بيئية، ومن زرع للضغينة والأحقاد بين الشعوب والحضارات، ومن حروب وعودة إلى عهد الاستعمار. وهو ما يقتضي كذلك إصلاح ودمقرطة النظام الدولي الرسمي، وجعل حد لتهميش منظمة الأمم المتحدة وتوظيفها لخدمة مصالح ورؤى الإدارة الأمريكية.