العنف في الوسط المدرسي بقلم الأستاذ عبد الرزاق لبيض

0 970

 

يعتبر العنف في الوسط المدرسي من الاختلالات الخطيرة في الحياة المدرسية, فالمؤسسة التعليمية والتي من المفروض أن تكون فضاء تربويا حاضنا لتكوين الأجيال وتسليحهم بالمهارات والكفايات اللازمة  لتحقيق ذاتيتها تحولت إلى حلبة للعنف بسبب النموذج التربوي الجامد الذي يعتمد سلطة القهر والإكراه.

 إن أغلب نظريات علم النفس تصنف العنف كسلوك إنساني مكتسب نتيجة للعديد من الأسباب العائلية ,التربوية ,الاجتماعية والنفسية. وبشكل أعمق فالعنف يرجع بالأساس إلى الصراعات النفسية الداخلية والمشاكل الانفعالية والشعور بالإحباط والخوف والنقص وعدم الأمان .وبصفة عامة العنف ليس إلا رد فعل تجاه التهميش الاجتماعي أو داخل الفصل. لكن  يبقى لتشخيص الظاهرة بشكل دقيق وعلمي ينبغي إجراء بحوث ميدانية متخصصة.

 تنبني تربية الأطفال عند الأسرة المغربية عموما على إصدار الأوامر ,والطفل منذ البدايات الأولى لتكوين شخصيته ملزم  بطاعة الوالدين مدى الحياة , وهكذا يخرج البرعم الأول لشجرة العنف في المنزل أو الأسرة وفيها تتكون اللبنات الأولى للشخصية العنيفة. وعند ولوج  التلميذ صفوف المدرسة يجد أن هذه الأخيرة مبنية بنفس المنطق السابق أي طاعة المدرسين والمسؤولين على تربيته وتكوينه ,مما ينعكس سلبا على تركيبته النفسية ونموه المعرفي . فإصدار الأوامر للطفل دون تفسير الغاية منها وإجباره على الطاعة العمياء هي آلية من آليات القهر الاجتماعي وهذا ما يولد لديه صورة ذهنية تتمثل في كون المدرسة هي أشبه بالسجن والمدرس ليس سوى وجه عقابي يهدده.

:ويتخذ العنف أشكالا متعددة ومنها 

  •       العنف الجسدي
  • العنف اللفظي كالسب والشتم…
  • العنف غير اللفظي كالرسم على الجدران والمراحيض…
  • العنف الجنسي وهو من الأوجه القبيحة لفعل العنف.
  • العنف التواصلي وكمثال على ذلك توجيه رسائل تهديد عبر الهاتف..
  • العنف الرياضي كالتعصب لفريق معين..
  • العنف تجاه الذات كالتدخين واستهلاك المخدرات والخمور..    

وتظهر ألوان العنف القاتمة في المؤسسات التعليمية كنتيجة للضغط القوي الذي يمارسه المحيط والسلوكيات السلبية السائدة فيه وهي من قبيل :               

  • عدم الإحساس بجدوى التعليم وتراجع جاذبية المدرسة .
  • تقهقر قيم الاحترام والتسامح والالتزام بالمسؤولية.
  • الفشل الدراسي وهو مولد قوي للإحباط.
  • ضعف أداء الأستاذ والنقص الكبير في تكوينه الأساسي.
  • مشاكل الأستاذ الاجتماعية والخاصة التي يحملها معه للقسم.
  • ضعف خبرة الإداري ومؤهلاته الإدارية وكفاءته التدبيرية في وسط تلاميذي ناشئ يفرض أسلوبا محددا في التعامل ونمطا خاصا في العلاقات.
  • وسائل الإعلام من خلال ما تعرضه من مواد عنيفة.                                                                          

 أما محيط المؤسسة التعليمية فهو لا يقل  عنفا عنها, و يرجع بالأساس إلى  كثرة غياب الأساتذة والتلاميذ على السواء , حيث يلاحظ عنف من نوع تلميذ-تلميذ او تلميذ-غريب عن المؤسسة ,وما يغذي هذا النوع من العنف-ظاهرة ذكورية بامتياز-هو انتشار المخدرات والأسلحة البيضاء والغرباء في محيط المؤسسات التعليمية.

  لقد أصبح العنف في مدارس اليوم ظاهرة ينبغي حصارها من خلال تجفيف منابعها واعتماد مقاربات فعالة وواقعية للحد منها. فعلى مستوى الوزارة ,يعتبر مدخل المناهج اللبنة الأولى بحيث ينبغي ملاءمة البرامج الدراسية مع الإمكانات الاجتماعية والحاجات النفسية للتلاميذ حتى لا تبقى المدرسة في عزلة عن محيطها الاجتماعي .وبمعنى أبسط تجاوز الطرق التقليدية في التدريس. إن إحداث سلك لتكوين مرشدين تربويين واجتماعيين وتعيينهم بالمؤسسات التعليمية وخلق مكاتب قارة لهم كفيل بمعالجة قضايا التلاميذ المشاغبين والمنحرفين. إن اهتمام الوزارة بالتكوين المستمر بشقيه النظري والتطبيقي للهيئة التربوية بجميع مكوناتها يضمن لهذه الأخيرة مسايرة المستجدات التربوية خصوصا النفسي منها. ومن المبادرات التي تحسب في هذا السياق للأكاديمية الجهوية سوس ماسة تلك المتعلقة بإحداث مركز جهوي لمناهضة العنف داخل الوسط المدرسي وذلك بإشراك مجموعة من المتدخلين :الأساتذة, الأمن الوطني, القطاعات الحكومية المعنية.ويهدف هذا المركز بالأساس إلى مناهضة العنف في مدارس الجهة من خلال مراكز للاستماع والوساطة المدرسية بهدف الخروج بحلول للمعوقات الإقتصادية,الإجتماعية,الأمنية والتربوية للمتعلمين. أما العمل القاعدي والأساسي لمحاربة العنف المدرسي  فيتم على مستوى المؤسسات التعليمية وذلك من خلال :

  • إحداث خلية يقظة على مستوى المؤسسة.
  • المراقبة الدائمة لتلاميذ المؤسسة وفضائها وكذلك محيطها.
  • تدارس العنف عندما يصح ظاهرة أثناء انعقاد مجالس المؤسسة وخصوصا مجلس التدبير.
  • تفعيل الأندية التربوية.
  • أجراه المذكرات الوزارية المتعلقة بالظاهرة –مذكرة العقوبات البديلة كنموذج-
  • التحسيس بالعواقب الناجمة عن العنف  وكمثال على ذلك التذكير باستمرار بالمادتين608و609 من القانون الجنائي الذي يجرم العنف في المؤسسات العمومية.
  • الاستماع والوساطة لامتصاص مظاهر العنف.
  • فتح حوار صريح ومباشر مع التلاميذ مع ضرورة إشراك الأسرة وجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ لحل المشاكل التربوية.

 كما يجب أن لا ننسى الدور المحوري للمدرس في الحد من الظاهرة وذلك من خلال وعيه بحاجيات التلميذ وحالته النفسية أثناء الرد على أي سلوك سلبي يصدر منه وعدم التطرف والشدة في تطبيق العقاب أو اللجوء إليه  إلا بعد استنفاد كافة الإمكانيات والحلول الأخرى الأكثر إيجابية في التربية. كما أن عدم تمييز الأستاذ بين تلاميذه وإعطائهم نفس الفرص والتواصل الفعال معهم كفيل باحتضان هؤلاء وإحساسهم بعدم التهميش داخل الفصل.

إن أطفال اليوم هم رجال الغد, والعنف إذا لم يجد من يكبحه ويسيطر عليه سيتحول إلى غول يتهدد المجتمع برمته .

قد يعجبك ايضا

اترك رد