حذر عدد من المتخصصين والخبراء والأكاديميين في مجال الغذاء والماء، أمس الخميس بالمنامة، من خطورة مستقبل المياه في دول مجلس التعاون الخليجي، في ظل سياسات عدم ترشيد الاستهلاك السائدة في دول المنطقة، مؤكدين أن هذه السياسات تنذر بكارثة مائية في السنوات الخمسين المقبلة.
وطالب هؤلاء الخبراء، خلال جلسات ملتقى نظمه مجلسا النواب والشورى بالبحرين حول موضوع: “هواجس أمن الغذاء والماء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية”، بإعادة النظر في أسعار المياه، وإعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه من أجل العمل على استرجاع الكلفة الحقيقية. وقالت ناعمة الشرهان، عضو المجلس الوطني الاتحادي بدولة الإمارات، إن منطقة الخليج تعاني من ندرة المياه في ظل التغيرات البيئية وظاهرة الاحتباس الحراري، محذرة من أنه إذا لم يتم الالتفات إلى هذا الأمر فإن المنطقة ستواجه كارثة مائية، خاصة وأن دول الخليج العربية تعاني من الاستهلاك المفرط الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسية في شح المياه وتدهورها. وتطرقت الشرهان إلى التجربة الإماراتية في مواجهة هذه المشكلة والتي ترتكز على تشجيع البحوث العلمية التي تعمل على زيادة هطول الأمطار في الإمارات والمناطق القاحلة من العالم. ومن جانبه، دعا راشد المعضادي، عضو مجلس الشورى القطري، إلى استشراف مستقبل المنطقة الغذائي التي يعتبر ركيزة مهمة لحياة المواطنين في الخليج، مطالبا بضرورة التكاتف لتحقيق الأمن الغذائي الخليجي. وبدوره، أشار سعود الرويلي، عضو مجلس الشورى السعودي، إلى أن ستين في المئة من المياه المحلاة في العالم تنتج في منطقة الخليج العربي، مبرزا أن تحلية مياه البحر أصبحت خيارا استراتيجيا في المملكة العربية السعودية التي أصبحت تنتج عشرين في المئة من الإنتاج العالمي على الرغم من الكلفة المرتفعة لتحلية المياه. وأوضح الرويلي أن السعودية راجعت سياستها الزراعية لمواجهة شح المياه، حيث تم اتخاذ مجموعة من القرارات منها التوقف عن زراعة الأعلاف والقمح في الداخل والاعتماد على الاستثمار الغذائي، مشددا على أهمية تحقيق التوازن بين الأمن المائي والأمن الغذائي، وداعيا إلى الربط المائي والغذائي بين دول مجلس التعاون باعتباره مطلبا استراتيجيا. وقال وليد الزباري، أستاذ الموارد المائية بكلية الدراسات العليا في جامعة الخليج العربي بالمنامة، إن هناك تناقصا بشكل متسارع في حصة الفرد من المياه العذبة المتجددة في العالم، كما أن هناك نضوبا في المياه الجوفية بصورة مستمرة. وعدد الأسباب التي تؤدي إلى تزايد المخاطر المائية، وعلى رأسها الاستخدامات غير الرشيدة للمياه، حيث أشار إلى أن معدلات استهلاك الأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي هي من أعلى الإستهلاكات على مستوى العالم، وأن هناك هدرا للمياه يحدث بسبب التسربات التي تتراوح نسبتها بين ثلاثين وأربعين في المئة في دول المجلس، بينما هي في حدود 22 في المئة بمملكة البحرين.
ودعا المتدخل إلى مراجعة سياسات الدعم العام غير الموجه الذي يؤدي إلى سوء استخدام المياه ويفرض عبئا ماليا على كاهل ميزانيات الدول بسبب انخفاض نسب استرجاع التكاليف، موضحا أن أفضل الممارسات الخليجية في مجال استرجاع الكلفة تتم في دبي وسلطنة عمان، فيما رفعت الكويت والبحرين والسعودية الأسعار لكنها لم تصل إلى تغطية الكلفة حتى الآن. وأكدت ورقة بعنوان: “الأمن الغذائي في ظل الضغط على المياه في دول مجلس التعاون الخليجي: لا حلول سهلة، بل خيارات ذكية”، قدمها محمد أحمد، مسؤول السياسات الزراعية بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أن محدودية قاعدة الموارد الطبيعية، والنمو السكاني المصحوب بالتمدن، والآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخي، كلها عوامل تسببت في جعل دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية بصفة عامة، مستوردا رئيسيا للغذاء في العالم، مشيرا إلى أن هذا الاعتماد الكبير على الواردات الغذائية يعرض هذه الدول لتقلبات الأسعار الدولية ومخاطر عدم توافر هذه المواد. وللحد من هذه المخاطر، اقترحت الورقة استخدام التقنيات الزراعية الموفرة للمياه مثل تقنيات الري الحديثة، والمحاصيل عالية المردود، والابتكارات الخاصة بإدارة خصوبة التربة، موضحة أنه حتى مع وجود مثل هذا التقدم في تقنيات الإنتاج، فمن غير المرجح أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجي الأمن الغذائي من خلال الاكتفاء الذاتي، ومعتبرة أن التجارة والاستثمارات في الخارج ضرورية لتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة.
وانعقد الملتقى تنفيذا لتوصيات الاجتماع الدوري العاشر لرؤساء المجالس التشريعية الخليجية الذي عقد بمملكة البحرين في نونبر الماضي.