“قطب منار” .. معلمة أثرية عريقة تشهد على قوة وتاريخ الحضارة الإسلامية في الهند

0 364

تعد معلمة “قطب منار” الأثرية إحدى الصروح التاريخية العريقة التي تزخر بها العاصمة نيودلهي، وظلت على مر الزمان شاهدا على قوة وتاريخ الحضارة الإسلامية التي حكمت بلاد الهند لعدة قرون.

ويرجع بناء هذه المعلمة التاريخية إلى رغبة السلطان قطب الدين أيبك،وهو أول حاكم من سلالة المماليك الأتراك الذين أسسوا “سلطنة دلهي”،في تخليد فترة حكمه،حيث أمر بتشييد “قطب منار” في عام 589 هجرية (1193 ميلادية)، لكن الظروف لم تسعفه في إكمال ذلك الصرح الديني بعدما توقفت الأشغال عند المستوى الأول، فقام خليفته إلتمش بإضافة ثلاث مستويات أخرى، ثم أكمل “فيروز شاه تغلاق” البناء بإضافة المستوى الخامس والأخير في عام 1368.

غير ان عددا من المؤرخين والباحثين يعتبرون أن تسمية “قطب منار” لا تعود إلى السلطان قطب الدين أيبك، الذي ساهم بشكل كبير في نشر الدين الإسلامي في أنحاء واسعة من شمال الهند، بل إلى الشيخ خواجة قطب الدين، وهو متصوف قدم من بغداد ثم عاش في الهند، حيث حظي بمكانة رفيعة لدى السلطان إلتمش.

وتم تشييد معلمة “قطب منار” على أنقاض “لال كوت”، وهو البرج الأحمر لمدينة “دلهي القديمة”، الذي قام ببنائه راي بيثورا آخر حاكم هندوسي لإمارة نيودلهي في سنة 1180، ويعد هذا الصرح أعلى مبنى حجري في الهند، وأحد المعالم الإسلامية الفريدة من نوعها في المنطقة.

واستعملت في بناء معلمة “قطب منار” أحجار رملية حمراء اللون، في حين تم إكمال أشغال البناء في المستويين الأخيرين بالرخام الأبيض،كما أن جدران المبنى تمت زخرفتها بعدد من النقوش المعمارية البديعة والآيات القرآنية .

أما المنارة، فيبلغ قطرها في القاعدة 14.3 مترا، فيما لا يتجاوز 2.7 مترا في الأعلى، فيما يصل ارتفاعها إلى 72.5 مترا، وتحتوي على درج حلزوني الشكل (379 مستوى)، يمكن من الوصول نحو أعلى قمة المعلمة، إلا انه تم إغلاق الدرج أمام الزوار والسياح بسبب تكرار حوادث الانتحار بالمنارة .

ويضم مجمع “قطب منار”، الذي أدرجته منظمة (اليونسكو) ضمن قائمة التراث العالمي، منارة هي الأطول من نوعها في الهند وثاني أطول المنارات في تاريخ العالم الإسلامي بعد منارة الخيرالدة في مدينة إشبيلية، كما يشمل مبان أخرى تستقطب سنويا الآلاف من السياح والمهتمين بفن المعمار الإسلامي.

وتتكون هذه المباني التاريخية من الضريح أو الروضة التي دفن تحت قبتها السلطان المملوكي إلتمش، ومدرسة وقبة علاء الدين الخلجي، وهما من الروائع الهندسية البارزة في تاريخ فن العمارة الإسلامي بالهند عموما وعمارة الروضات الهندية بشكل خاص .

كما يضم مجمع “قطب منار” مسجد “قوة الإسلام”، الذي يعد أول مسجد تم بناؤه في الهند، وقد استعملت في تشييده أكوام من الحجارة التي تم اقتلاعها من نحو 27 معبدا جاينيا (ديانة هندية قديمة) وهندوسيا بالقرب من المكان . غير أن هذا المسجد، الذي يجمع بين فن العمارة الإسلامي والهندي، لم يتبق منه سوى بعض الآثار المتناثرة، إذ يمكن معاينة بعض الأجزاء التي تزينها نقوش من الزهور والآيات القرآنية .

وتضم هذه المعلمة كذلك روضة أو قبة أخرى للمتصوف خواجة نظام الدين، وهي من أجمل القباب الملحقة بمجمع “قطب منار”، وقد شيد على مقربة منها مسجد كبير يضم ثلاث قاعات للصلاة مغطاة بقباب عالية حفاظا على الطابع المعماري للموقع وبداخله محراب مرتفع ومنبر ضخم يعد من آخر الأعمال المعمارية الإسلامية في تلك المنطقة .

وغير بعيد عن المسجد، يوجد عمود حديدي ضخم يبلغ طوله سبعة أمتار، ويعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي، إذ قام بتشييده الراجا غوبتا على شرف “فيشنا” (إلهة هندوسية). وقد استطاع هذا العمود أن يصمد أزيد من 1600 سنة في وجه عوامل التعرية والظروف المناخية الصعبة في المنطقة .

وإذا كان تشييد معلمة “قطب منار” يعكس بجلاء السيطرة التي بسطتها دولة المماليك في الهند، فإنها ما لبثت أن تحولت إلى رمز تاريخي وثقافي وديني ساهم بقوة في إبراز الحضور الوازن للحضارة الإسلامية وترسيخ دعائمها في معظم أرجاء البلاد .

قد يعجبك ايضا

اترك رد