من عيون الشعر العربي القديم لأبي الحسن الأنباري

0 2٬527

رثاء مصلوب
**************

علو في الحياة وفي الممات
لحق أنت إحدى المعجزات ..
كأن الناس حولك حين قاموا
وفود نداك أيام الصلات ..
كأنك قائم فيهم خطيبا
وكلهم قيام للصلاة ..
مددت يديك نحوهم احتفاء
كمدهما إليهم بالهبات ..
ولما ضاق بطن الأرض عن أن
يضم علاك من بعد الوفاة ..
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا
عن الأكفان توب السافيات ..
لعظمك في النفوس تبيت ترعى
بحراس وحفاظ ثقات ..
وتوقد حولك النيران ليلا
كذلك كنت أيام الحياة ..
ركبت مطية من قبل زيد
علاها في السنين الماضيات ..
وتلك قضية فيها تأس
تباعد عنك تعيير العداة ..
ولم أر قبل جدعك قط جدعا
تمكن من عناق المكرمات ..
أسأت إلى النوائب فاستثارت
فأنت قتيل ثأر النائبات ..
وكنت تجيرنا من صرف دهر
فعاد مطالبا لك بالترات ..
وصير دهرك الإحسان فيه
إلينا من عظيم السيئات ..
وكنت لمعشر سعدا فلما
مضيت تفرقوا بالمنحسات ..
غليل باطن الأرض لك في فؤادي
يخفف بالدموع الجاريات ..
ولو أني قدرت على قيام
بفرضك والحقوق الواجبات ..
ملأت الأرض من نظم القوافي
ونحت بها خلاف النائحات ..
ولكني أصبر عنك نفسي
مخافة أن أعد من الجناة ..
ومالك تربة فأقول تسقى
لأنك نصب هطل الهاطلات ..
عليك تحية الرحمان تبيت تترى
برحمات غواد رائحات ..

***ابن الأَنْبَاري
(ت. بعد 1000 م)

محمد بن عمر بن يعقوب، أبو الحسن بن الأنباري: شاعر مقلّ، من الكتاب. كان أحد العدول ببغداد. وكان صوفيًا واعظًا. اشتهر بقصيدته في رثاء الوزير (ابن بقية) التي أولها:
“علو في الحياة وفي الممات”

قال صلاح الدين الصفدي: لم يسمع في مصلوب أحسن منها.

حتى أن عضد الدولة الذي صلبه تمنى لو كان هو المصلوب ..ويقال أنه أمر بإحضار الشاعر بعد طول هروب فأمره بأن ينشدها له.. فأنشدها ولقوة تأثيرها قبله وعفا عنه .

أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباري (؟ – ~375هـ/985م) هو شاعر عاش في العصر العباسي. لا يُعرَف الكثير عن تفاصيل حياته، والمشهور أنَّه كان صديقاً لأبي الطاهر محمد بن بقيَّة، وكان ابن بقيَّة أحد وزراء عز الدولة، ومن المُحرِّضين ضُدَّ عضد الدولة، فلمَّا آل الحكم إلى عضد الدولة أمر بقتل ابن بقيَّة والتمثيل بجسده وصلبه، فرثاه أبو الحسن في قصيدة هي أبرز قصائده والسبب وراء شهرته. وإلى جانب الرثاء فقد كان ينظم شعراً قليلاً في الوصف والوعظ، وكان أبو الحسن صوفياً، ولا يُعرَف على وجه الدِقَّة تاريخ وفاته، ويُقدِّر عمر فروخ أنَّه تُوفِّي قرابة 375هـ بناءً على المرويات التاريخية حول مقتل ابن بقية ورثائه إياه، بينما يُقدِّر خير الدين الزركلي وفاته بعد 390هـ.[1][2]

قد يعجبك ايضا

اترك رد