الفساد وبعض مسبباته.

0 301

مشكلتنا الأساسية، النفاق، لأنه لا شخصية لأحزابنا ولا لسياسيينا، وليست لنا ثقافة الاختلاف، وفقدنا الجرأة وصرنا أمة تنساق مع القدر عوض أن تصنعه.
نحن نقول اليوم إننا نريد محاربة الفساد، لكننا نسينا أن مشكلتنا الأساسية في هذه البلاد هي النفاق، وبعد ذلك يأتي الفساد، ولولا هذا النفاق الغرائبي الذي نغرق فيه لما وصلنا إلى كل هذه الحالة الكارثية من الفساد، إلى درجة أصبحنا نخاف معها من أن تنهار البلاد كلها لو انهار الفساد، لأنه صار مختلطا بدماء الدولة والمجتمع.

أكثر وضوحا من الجميع، لأنه اكتشف أخيرا أن الفساد لا يمكن محاربته، وأن الدولة قد تنهار لو انهار الفساد، لذلك ظهر من كلامه أن أفضل شيء يمكن أن يقوم به هو أن يعقد اتفاقية صلح مع الفساد،
لكن لماذا صار الجميع ينادي اليوم بمحاربة الفساد؟ هل لأنه اكتشف فجأة أن الفساد موجود؟ أم لأن أوامر جاءته وطلبت منه الانخراط بقوة في تمييع حملة محاربة الفساد؟
ذكّرني مشهد البرلمان المغربي بتمثيلية كوميدية للفنان الفرنسي ديودوني. لقد مثل يوما دور رئيس إفريقي سألته صحافية: لماذا يوجد فساد كثير في بلاده؟ فأجابها بأنه اكتشف قبل يومين فقط أن الفساد موجود فعلا، وأنه سيقضي عليه في صباح الغد.

يعرف الجميع كيف نشأ الفساد، ويعرف الجميع معاقل الفساد في البلاد، ويعرف الجميع من هم كبار اللصوص والمفسدين، ويعرف الجميع أن الأغلبية الساحقة من بعض الأحزاب نشأت بفضل الفساد وترعرت في حضنه، ويعرف الجميع كل شيء، ونتظاهر بأننا لا نعرف شيئا، لذلك صار الفساد يرفع قبضته في الهواء ويطالب بسقوط الفساد.
إذا كنا سنحارب الفساد فيجب أن نحارب النفاق أولا، فالنفاق والفساد ينامان جنبا إلى جنب في نفس الفراش، وفي كل ليلة يفرخان المزيد من المنافقين والفاسدين، لذلك فإننا لن نقضي أبدا على الفساد ما لم نقض أولا على النفاق.
نعرف جميعا أن أكبر مرحلة لنمو الفساد هي مرحلة عهد ا البصري ، ومن تلك المرحلة ورثنا أرقاما قياسية من الفقر والأمية والجهل والفساد والنفاق، ورغم ذلك لا زال كثيرون يصفون تلك المرحلة بالعظيمة وأصحابها بالعظماء. إذا كانت تلك المرحلة عظيمة، فماذا سنسمي المغاربة المساكين الذين تحمّلوا تلك العظمة كل تلك السنين؟    عبد المجيد الإدريسي.

قد يعجبك ايضا

اترك رد