معضلتان في عمل هذه الحكومة…

0 351

معضلتان أساسيتان تعاني منهما الحكومة الحالية، ويحدان من قدرتها على إقناع المغاربة، وهما ضعف، أو انعدام، تواصلها مع الرأي العام الوطني ومع الصحافة الوطنية المهنية، وغياب أي حضور إعلامي او سياسي لها في المجتمع.

ثم هناك انشغالها المستمر بالتصدي لخلافاتها الداخلية، والسعي لنفي وجودها والدفاع عن انسجام متوخى رغم أنه لا يتأكد دائما على الأرض.

المعضلة الأولى، المتعلقة بغياب التواصل مع المغاربة، تظهر جلية على أكثر من مستوى، وعدا اللقاءات الصحفية الأسبوعية التي تعقب مجلس الحكومة كل خميس، ورغم الحرص على انتظاميتها على الأقل، فهي لا تقدم ما يكفي من المعلومات، وأيضا لا تحدث أي أثر أو إقناع، فليس هناك، عداها، أي مبادرة حقيقية لتواصل حكومي سياسي ومنتظم مع المغربيات والمغاربة.

لقد فضل عدد من الوزراء الإرتماء في أحضان من يسمون” المؤثرين والمؤثرات”، وأنفقوا عليهم الكثير من الأموال، ولم يستفد من كل هذا سوى الذين اغتنوا من هذا الريع العبثي البليد، ولم يستطع أحد من (حكومة الكفاءات) الخروج ومواجهة أسئلة الصحافة المهنية الحقيقية، والتفاعل معها، وتأمين حوار منتج ومسؤول وجدي مع الشعب المغربي عبر ذلك.
لحد الآن لم تر الحكومة أي ضرورة للكلام مع المغاربة حول توالي وتفاقم الغلاء وارتفاع أسعار مواد أساسية عديدة، وخصوصا المحروقات، ولم تفكر في اقناع المغاربة بما تقول به من إجراءات وبرامج وسياسات في عدد من القطاعات، وخصوصا تلك المتصلة بمعيشهم اليومي…

التواصل الحكومي لا ينجح بامتلاك الديبلومات والصفات فقط، ولكن أساسا ينجح عندما تتوفر الشخصية السياسية القادرة وذات الكاريزما، وعندما يمتلك المسؤول المعني بالأمر المصداقية والفهم والإدراك، وتتوفر لديه الخبرة السياسية والقدرة على الترافع والإقناع، وحيث أن هذه الصفات تغيب عند أغلب وزرائنا، مع الأسف، فهم يختارون… الصمت، ويهربون من مواجهة الصحافة الجادة والمهنية، ومن التواصل السياسي الحقيقي.

هذا الصمت الحكومي، والهروب من التواصل مع المغاربة وتواري عدد من الوزراء، كل هذا يعني، في حد ذاته، الإعتراف من طرف الحكومة نفسها بضعف المنجز الحكومي وصعوبة إقناع الناس به.
وبالنسبة للمعضلة الثانية، فهي تكشف عن عجز الحكومة على إحداث الاتفاق والتناغم السياسي والتواصلي بين مكوناتها الحزبية الثلاث.

وحتى في العلاقة مع الرأي العام الوطني، هناك تجليات عديدة لضعف التضامن بين أحزاب الأغلبية، وقد تكرر هذا في أكثر من مرة.

وفي هذه الحالة، من الصعب النجاح في إعمال تواصل حكومي جاد ومنتج ومحكم، لما يكون الوزراء مدركين أنهم سيفتقدون التضامن والمساندة حتى من كل مكونات تحالف الأغلبية.
ولقد تابع المراقبون أشكال تعامل بعض أحزاب الأغلبية حتى مع برلمانييها عندما أدلوا بتصريحات أو مواقف من داخل مجلس النواب تنتقد ضعف الإنجاز العملي للحكومة، وهو ما كرس بعض اليأس وسط الأغلبية ذاتها، وإحساس منتخبيها بلجم أفواههم وتكبيل إراداتهم، وأيضا بعجز أحزابهم عن بلورة أداء حكومي وسياسي تتوفر فيه الجدية اللازمة والمعنى الضروري، ويستطيعون هم الدفاع عنه والإعتزاز به.

وتبعا لما سبق، فإن الممارسة أبانت عن مظاهر تفكك ونفور حتى وسط الأغلبية وداخل فريقها الحكومي الحالي، كما أنها كشفت أن”الكفاءات” المتغنى بها، فشلت في الإمتحان، وفضحها افتقارها إلى الخبرة والخلفية السياسيتين، وانعدام التقدير السياسي ووضوح الرؤية وقوة الشخصية لدى العديد من الوزراء.

اليوم يكتوي المغاربة بالغلاء والمضاربة في الأسعار، والعديد من القطاعات الإقتصادية تعاني من الجمود والشلل، وأغلب فئات شعبنا تعيش القلق من المستقبل، وبرغم كل هذا، تستمر حكومتنا في صمتها وصيامها عن الكلام المقنع مع المغاربة، وهي تكتفي بتبرير الأزمات وما يلف البلاد والمجتمع من مخاطر، ولا تجتهد لايجاد حلول شجاعة للمشكلات، وتواصل الإلتهاء بأنانياتها الداخلية، وإطفاء نيران الخلافات العبثية وسط أغلبيتها…

متى تدرك الحكومة إذن ان لها مسؤوليات تجاه الشعب لتوفير حلول حقيقية لواقعه اليومي؟ ومتى تفهم أن المغاربة يستحقون أن تخاطبهم الحكومة عبر صحافتهم الوطنية المهنية وتسعى لإقناعهم؟

بقلم: محتات الرقاص
مدير نشر” بيان اليوم” و”ALBAYANE”

قد يعجبك ايضا

اترك رد