مقاطع من نص المداخلة في حفل توقيع ديوان أوراق متطايرة للشاعر حامد الزيدوحي …

0 690


أوراق متطايرة في غابة المجاز
…………………………….
استهلال :
………
يقول الشاعر المغربي عبد الله زريقة :
…………………………………….
والشعر الذي لا يتطاير شرارة / نحو الشمس / ويبلغ زرقة الجرح / وألم الموتى فينا يتوجعون / هو قصائد لا تنفع القتلى / حتى في الذهاب إلى المرحاض .. ”
من ديوان ضحكات شجرة الكلام . ص .20
1 ــ كلمة لابد منها
……………………..
الشاعر حامد الزيدوحي .. عرفته أول مرة مناضلا حقوقيا .. كعضو نشيط في الجمعية الحقوقية العتيدة ، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان .. التقيته في أكثر من ملتقى حقوقي في أكثر من مناسبة في الرباط ومراكش وبوزنيقة .. وربما في أماكن أخرى لا أذكرها .. في هذه اللقاءات جميعها لم أكن أعرف أنه يكتب الشعر .. ولم يسبق له أن فاتحني في موضوع الشعر وكتابته لأن الأحاديث والمناسبات التي جمعتنا كانت مرتبطة أساسا بالهم الحقوقي قبل أي شيء آخر ..
لكنه عندما جمع شتات ما كان يكتبه ، وفكر في نشره ، آنذاك اتصل بي ، وطلب مشورتي واقتراحاتي في اختيار المطبعة ومراجعة النصوص الشعرية .. وقد سرني ذلك كثيرا أن يفكر الشاعر في إخراج ما يكتبه لجمهور القراء ومشاركتهم أحاسيسه وهمومه قصد التأمل والتفكير في قضايا الواقع المعيش المأزوم خاصة والذي يستدعي من الشاعر الدعوة إلى تجاوزه والتحريض على تغييره ..
من هنا ، كانت النصوص الشعرية للشاعر حامد الزيدوحي نصوصا غير محايدة بل منحازة إلى البسطاء والكادحين ، منتصرة للقيم الإنسانية الإيجابية الداعية إلى الحرية والعدالة الاجتماعية .. مما أضفى عليها الطابع الواقعي والنقدي لأنها نصوص تفصح ، تفضح ، تدين وتحتج بصوت عال مباشر أحيانا … ومن هنا تجيء ورقتنا التأملية المتواضعة احتفاء بالشاعر حامد الزيدوحي ، واحتفالا بديوانه الشعري الأول ، اعترافا برغبته الأكيدة في تطوير تجربته الشعرية وتعميقها من خلال توظيف أساليب مختلفة كتضمين الأساطير والحكايات والرموز الفاعلة في تاريخ الإنسانية والدالة على قيمها الخالدة .. والتي يكاد يخلو منها الديوان الأول …
2 ــ على سبيل القراءة
………………………
هي تأملات أولية في الديوان البكر للشاعر حامد الزيدوحي .. الذي يحاول من خلاله اختراق مساحة جمالية ، واجتراح آفاق بيانية تسمح له للتعبير عن مخبوءات الذات وما يعتمل بدواخلها ، من آلام وآمال حرى ، وللبوح بمواقفه وآرائه الواضحة وعواطفه الفاضحة إزاء ما يحيط به من قضايا ذات أبعاد سياسية واجتماعية ، لكن بلغة موسيقية إيقاعية ومجازية أحيانا . تقوم على المقاربة في التشبيه والاستعارة مما يتيح للقارئ العادي تتبع المعاني والقضايا التي يطرقها الشاعر مع سبق الإصرار والترصد …
إن تتبع ورصد المخيال الشعري في الديوان يكشف عن حدود الخيال وانشداده إلى الواقع المعيش مما لا يتيح الذهاب بعيدا في القراءة والتأويل . ومادام هم الشاعر أولا وأخيرا الاحتفاء بالموضوعات والمضامين ، فقد أضحى منشغلا بسؤال ماذا يقول النص ؟؟ ، أكثر من انشغاله بسؤال كيف نقول النص ؟؟ …
( …)
(… )
استنتاجات
…………
ــ العنوان أوراق متطايرة في صيغته النكرة يفتح أفق انتظار القارئ على دلالات متعددة .. لكن الشاعر يعيد الصياغة معرفة في قصيدة الشعراء حين يقول : ” وهذه الأوراق المتناثرة / تستفسرني : / من أين أتيت ؟ / إلى أين أغدو ؟ .. ص . 23 .
ــ اعتماد تقنية السرد والوصف كما في قصيدة لسعة حيث يقول :
ــ ” وسط النحيب / والغروب المغيب / تدلت الأنياب / ولسعة السراب / ورافق الزوارق . / وتحت أشجار عرجاء / نزهة ورقص وهراء / وطرابيش أطفال / يأكلون الثرى / وينتعشون بالخلوة / وبقايا الأخشاب / وسدادات القنينات / وتبن المسكرات / والأيتام غرقى / في يتمهم ينعمون / في بؤسهم متألمون .. ” ص . 25 / 26 ..
هذه من أبهى قصائد الديوان السردية التي نسجت على شاكلة قصائد الشعراء الكبار : كالعراقي الكبير عبد الوهاب البياتي و الشاعرين المصريين صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي .. ومن قصائد الديوان التي اتخذت شكل سرديات نذكر : لسعة ص. 25 / وطني ص . 27 / يوم مشهود ص . 33 / ارتباك ص. 37 /
ــ تذويت الخطاب الشعرية من خلال توظيف ضمير المتكلم في مجمل القصائد سواء من خلال ضمير المتكلم المفرد الدال على الأنا أو من خلال توظيف المتكلم الجمع الدال على النحن ..والأمثلة لا حصر لها :
ــ أ ــ ضمير المتكلم المفرد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ ” يغتالني ظمأ … واجتاحني ألم … وسرى في دمي سقم … وأتعبني سفر … ماذا أقول لظامئتي ؟؟ ماذا أقول لظالمتي ؟؟ ” ..ص . 29
ــ ” أخط خطاطة بؤس / رسما لكل البؤساء / كي تطير أطياري / … أنا الطين / أملأ كوكبا بلوريا / حفرته في سهول ترسية / والأرض تزلزلت ..” ص . 33 .
ــ ” لا الشمس ترسل / لي خيطا فضيا / ولا الطير يزقزق / في ذاكرتي / ولا النجوم تسامرني / وأسير لوحدي / فما هذا ؟؟ ص . 49 ..
ــ ب ــ ضمير المتكلم الجمع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ ” إذا رحلنا جميعا / وجاءتنا الواقعة / ألا نخجل من الحب ؟؟ / ألا نستحيي من العشق ؟؟ . ص . 13
ـــ ” وكأننا في زمن بدائي / نبحث عن قوت / ونتعرى / نقتحم غابات موحشة / وأنفاسا نلفظها / وورودا نقطفها .. ” ص . 35 / 36 ..
ــ بالاحتفال بأصوات الطبيعة يؤثث بها فضاء الصور الشعرية كي يزيدها بهجة وحيوية يقول :
ــ الذباب يزعجنا / والبلابل تغني / والديكة تصيح / والفراشات تضرب على الدفوف / ترفرف مع غروب الشمس .. ” ص . 19 / 20 .
ــ احتفاء الشاعر بالألوان خاصية تؤكد اهتمام الشاعر بالمشاهدة والمعاينة والحضور، ومن الأمثلة الدالة على ذلك قوله :
ــ ” عكازه نحاسي / وعرشه من أسلاك ” .. ص 14 . / ” وأشكل لوحة قصديرية / وأبني عشا بنيا / عشا طينيا .” . ص . 33 .
ــ نصوص الديوان في جوهرها هي نصوص شعرية غنائية لأنها تخاطب الوجدان وتحتفي بالذات الشعرية المتألمة والمتأملة في نفس الآن …
ــ هي نصوص شعرية تقف عند حدود الرؤية الإصلاحية كما لدى شعراء الخطاب الإصلاحي ومفكريه كعلال الفاسي ومحمد المختار السوسي ، وحافظ إبراهيم ومحمود سامي البارودي ومحمد عبده وعبدالرحمان الكواكبي .. رغم أن الشاعر لم يلتزم شكل القصيدة التقليدية التي تقوم على نظام الشطرين ( الصدر والعجز ) .. فهو يعيد طرح الأسئلة ذاتها التي سبق طرحها من لدن الحركة السلفية الجديدة كالمفكر شكيب أرسلان على الخصوص في كتابه الشهير : لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟؟ .وهو يدعو إلى الصحوة العربية أو النهضة المفترضة … يقول الشاعر حامد الزيدوحي في قصيدته أمتي : التي أهداها إلى : الأمة العربية الإسلامية ..
ــ ” أمتي / مالك تغرقين ونومك ألمني وأسأمني / وأثقل كاهلي / ماذا أصابك أمتي ؟ / لم التفريط ؟ / والانحطاط يا أمتي ؟ / كل الأمم كالشمس ساكنة / ثابتة / إلا أنت أمتي .. ص . 41 …
هكذا يقف الصوت الشعري لدى الشاعر حامد الزيدوحي منفعلا دون أن يخترق أفق الحداثة والتحول الذي يتغيا تجاوز الخطاب الإصلاحي الذي يقوم على المرجعية الدينية أولا واللغة القومية ثانيا .. فيما الخطاب الحقوقي التي يتبناه الشاعر ويمارسه في واقعه المعيش يمتد إلى الأفق الإنساني الذي يستند على مرجعيات متعددة ومنفتحة متأصلة في الكيان الإنساني المتجاوز للخصوصيات اللغوية والدينية وغيرها … وبعبارة أخرى نقول إن ممارسة الشاعر الحقوقية تتجاوز كتاباته وتتخطاها … ونتمنى للشاعر حامد الزيدوحي أن يستدرك هذه المسافة المفارقة في ديوان جديد .. وهذا طموح عن الشاعر ليس ببعيد ..
وخير ما نختم به هذه الورقة المتواضعة قول الشاعر حامد الزيدوحي :
” انبض يا قلب / وتمهل / فلا عشق بلا وطن / ولا ود بلا وطن / ولا لحن بلا وطن .” . ص . 59 .
نتمنى مع الشاعر أن يتحرر هذا الوطن من الفساد والاستبداد الذي صار لنا طعاما ومأوى …
………………………………..
مع محبتي الشعرية
…………………..

قد يعجبك ايضا

اترك رد