تحيي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى جانب الحركة الحقوقية والديمقراطية المغربية والعالمية اليوم الدولي للديمقراطية، الذي تم إقراره من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 62 بتاريخ 8 نونبر سنة 2007 ، سعيا منها إلى إبراز أهمية الترابط الوثيق بين حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية ، وتعبيرا منها عن التزامها بمواصلة النضال من أجل بناء مجتمع الحرية والديمقراطية، الذي ينتفي فيه القمع والاستبداد، ويتمتع فيه كل المواطنين والمواطنات بالكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وكافة حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والحق في التنمية.
واختارت الأمم المتحدة للاحتفال باليوم الدولي لهذه السنة “تسليط الضوء على الديمقراطية في إطار كوفيد – 19”. وقد حث الأمين العام للأمم المتحدة بهذه المناسبة الحكومات على أن تكون شفافة ومستجيبة وخاضعة للمساءلة في استجابتها لفيروس كورونا والتأكد من أن أي تدابير طارئة قانونية ومتناسبة وضرورية وغير تمييزية، حيث قال: ’’أفضل استجابة هي تلك التي تتصدى للتهديدات الفورية بطريقة متناسبة، مع حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون‘‘.
ومن أبرز ما يطبع تخليد شعوب العالم، هذه السنة، لليوم العالمي للديمقراطية، كونه يأتي في ظل أوضاع تتسم بما يلي:
دوليا، حلول الأزمة الصحية الحالية، التي تطورت إلى جائحة عالمية، وتسليطها الضوء على فشل نظام العولمة الليبرالية المتوحشة القائم على دعم اقتصاد السوق وفضحها لعجزه على الاستجابة المناسبة لفيروس كورونا، وتعميقه، عوض ذلك، لأوجه التمييز واللامساواة في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث استغلت العديد من الدول هذه الأزمة لإعطاء الأولية لإنقاذ الاقتصاد وتقديم الدعم للشركات بهدف مراكمة أرباحها على حساب المواطنات والمواطنين عوض العمل على حماية حقوق الإنسان الأساسية للجميع بدون أي تمييز، وإيلاء الأهمية للفئات الأكثر فقرا وتهميشا، خصوصا العمال الذين فقدوا شغلهم والأطفال والشباب وكبار السن والنساء والمهاجرين، لاسيما الموجودين في وضعية غير نظامية واللاجئين والأشخاص في وضعية إعاقة والموضوعين في مراكز الاحتجاز ، وذوي الميولات الجنسية المختلفة، وقاطني المناطق الأكثر تهميشا والشعوب الأصلية والأقليات الإثنية والعرقية، وكلها فئات ومجموعات تضررت من إجراءات الطوارئ والحجر الصحي وما نتج عنها من إغلاق المصانع والمحلات التجارية ،
كما استغلت دول عديدة هذه الأزمة لتوسيع نطاق سلطاتها القمعية، وفرض قيود غير متناسبة، من خلال ضرب حرية الرأي والتعبير والحق في الوصول إلى معلومات وافرة وموثوقة عن الأزمة، وقمع الصحفيين والمدونين والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان والاستثمار في التكنولوجيات الرقمية من أجل فرض رقابة على الأنترنيت، في تهديد للحريات الأساسية وفي تجاهل لمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب وضرب حرية التجمع وقمع كل الحركات الاحتجاجية
وطنيا، وعلى غرار العديد من دول العالم اعتمد المغرب تدابير استثنائية مقيدة للحرية، للحد من تفشي الوباء، من خلال الإعلان عن توقيف الدراسة واعتماد التعليم عن بعد وإغلاق المقاولات الصناعية والفلاحية والتجارية والخدماتية منع مختلف الأنشطة الاجتماعية التي تؤدي إلى تجمع الأشخاص وإغلاق المساجد والإعلان عن حالة الطوارئ الصحية ابتداء من 20 ماس وفرض الحجر الصحي، وكلها قرارات وإجراءات اتخذت دون إشراك المجتمع المدني، وكانت لها آثار بليغة على حقوق الإنسان والحريات الأساسية مست أساسا الفقراء في البوادي وهوامش المدن والعمال بمختلف فئاتهم وخاصة العمال المياومين والمهاجرين واللاجئين والنساء والأطفال والمسنين والسجناء والأشخاص ذوي الإعاقة والمعتقلين.
وفي إطار مواصلة إغلاق الفضاء المدني والتضييق الممنهج على الحركة الحقوقية والديمقراطية والصحافة المستقلة ، استغلت الدولة الأزمة الصحية كذريعة ل:
· شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف المدافعين/آت عن حقوق الإنسان والمدونين/آت ومستعملي/آت شبكات التواصل الاجتماعي وبعض الأصوات المعارضة، وتوظيف القضاء للانتقام منهم؛
· محاولة تمرير مشروع القانون 22-20 المتعلق باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي في سرية تامة ودون استشارة المجتمع المدني والهيئات المعنية، وهو مشروع يجهز عن حرية التعبير بشكل صارخ، تم التراجع عنه أمام يقظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي وضغط الحركة الحقوقية؛
· اللجوء إلى تقنيات مراقبة شاملة، باستعمال تطبيق لمراقبة إجراءات الحجر الصحي من طرف المديرية العامة للأمن الوطني وتطبيق WIKAYATNA لتعقب، عبر الهواتف الذكية، المصابين ومخالطيهم واستخدام الطائرات بدون طيار drones للتحكم في تدابير الحجر الصحي، مما يهدد الحقوق والحريات الأساسية، ولا سيما الحق في الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية؛
· الإمعان في اعتماد المقاربة الامنية كأسلوب وحيد للتعاطي مع الحركات الاحتجاجية السلمية والزج بالعديد من المعتقلين السياسيين في السجون وتجاهل مطالب الشعب المغربي بالديمقراطية والحرية والكرامة ؛
· الاستمرار في توظيف القضاء لتصفية الحسابات السياسية مع المعارضين في محاكمات تفتقر لأدنى معايير وشروط المحاكمات العادلة؛
ولا زال العمل جاريا بدستور لا يستجيب لمتطلبات الديمقراطية ولا يقطع مع الاستبداد والفساد واقتصاد الريع ولا يقر بالسيادة الشعبية ولا يضمن فصل للسلط، واستقلال القضاء وربط المسؤولية بالمحاسبة وفصل الدين عن الدولة، وسمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتسييد القيم الحقوقية من ضمنها المساواة بين الجنسين.
إن تخليد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لليوم الدولي للديمقراطية هذه السنة، هو فرصة للتأكيد على أن احترام حقوق المواطنات والمواطنين وإقرار الديمقراطية الشاملة وبناء دولة الحق والقانون، يتطلب ما يلي:
- إقرار دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا وتصديقا، دستور يحترم حق الشعب المغربي في تقرير مصيره على كافة المستويات ويقر بكونية وشمولية حقوق الانسان وبسيادة قيمها الإنسانية وفي مقدمتها المساواة بما فيها بين الجنسين، والحرية والكرامة والتضامن والعدالة، وبسمو المواثيق الدولية على القوانين المحلية دون قيود أو شروط وبالفصل الحقيقي بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وبفصل الدين عن الدولة ؛
- التصديق على المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان التي لم يتم التصديق وملائمة القوانين مع الافاقيات الدولية
- 3التأسيس لجهوية ديمقراطية حقيقية تراعي المميزات الثقافية والتاريخية ولا تخضع للهاجس الأمني ولوصاية وهيمنة وزارة الداخلية؛
- مراجعة مدونة الانتخابات وكافة القوانين المرتبطة بالعملية الانتخابية، واقرار هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات ؛
- اقرار فعلي للقضاء كسلطة مستقلة باتخاذ التدابير التشريعية والاجرائية اللازمة وجعل حد لتغول النيابة العامة التي أصبحت آلية للاستبداد والقمع؛
- تفعيل الطابع الدستوري للغة الأمازيغية كلغة رسمية مثلها مثل اللغة العربية؛
وفي ما يتعلق بالتصدي للجائحة فإن المكتب المركزي للجمعية يطالب بجعل حد لهيمنة وزارة الداخلية على الحياة العامة ورفع الحصار على الفضاء العام، والكف عن استغلال الجائحة في تشديد الاستبداد وتقوية الهيمنة التي تمارسها السلطة على المواطنين والمواطنات وعلى التنظيمات الديمقراطية ، كما يطالب المكتب المركزي ب:
- ضمان أقصى الموارد لضمان حق جميع المواطنات والمواطنين على قدم المساواة في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من صحة وتعليم ومستوى معيشي ملائم والعمل الملائم والضمان الاجتماعي ووقف كل إجراءات الخوصصة وتفكيك منظومة الحماية الاجتماعية…إلخ.
- حماية وتعزيزالحق في حرية الرأي والتعبير والحق في الحصول على المعلومات بقدر واف، ووقف كل المضايقات ضد نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمدونين وجعل حد لأنشطة الرقابة الموجهة ضدهم، وضمان حرية التجمع والتظاهر السلمي؛
- إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، على رأسهم نشطاء حراك الريف وجرادة وبني تاجيت، ومن ضمنهم الصحفيين المعتقلين تعسفا وهو ما دعت إليه أيضا المفوضية السامية لحقوق الإنسان؛
إن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إذ يعبر عن تضامنه مع ضحايا جائحة كورونا، يؤكد على ضرورة مواصلة النضال الوحدوي ببلادنا من أجل تحقيق المطالب والأهداف الأساسية للحركة الحقوقية والديمقراطية المتمثلة في بناء نظام ديمقراطي يضمن احترام حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها ويحقق الكرامة لجميع المواطنات والمواطنين، ويذكر بالمطالب المتضمنة في الميثاق الوطني لحقوق الإنسان وبالالتزام المشترك للحركة الحقوقية بالنضال الوحدوي لتحقيقها، مع العمل على انضمام مختلف القوى الديمقراطية لهذه الوثيقة الهامة.
المكتب المركزي:
الرباط، في 15 شتنبر 2020