الخيبة …….. عبد العاطي جميل.

0 596

سرد
… انتهى الموسم الدراسي .. عاد إلى بيت أسرته لقضاء أيام سياحية قرب البحر . فقد اقتنى قبل عودته مجموعة روايات ودواوين شعرية وقصصا ودراسات متنوعة .. يشعر أن زمن العطلة قد انتهى وهو لم يبدأ بعد .. فهذا الزمن المخصص لا يكفيه البتة ..
أمه هذي النملة الشغالة لا تتوقف لحظة عن استثارة موضوع الزواج ..
ـ هل أمي ترغب في الفرح بي أم بابنة الجيران حكيمة ” الغشيمة ” ـ كما تنعتها فتيات الحي ؟؟ . ربما حسدا وغيرة ـ .. لم تتوقف الأم لحظة عن شكر حكيمة ، عن مدح حكيمة ، وكأنها تسكن خياشيمها .. وحكيمة بالفعل مثيرة .. لا تخرج ولا تدرج .. ترتدي الحجاب وتصلي التراويح بجانبها .. تعينها على حمل قفة الخضر والفواكه الثقيلة كلما عادت الأم من الجوطية المجاورة دون أن تركب سيارة الأجرة ..
فكرة الزواج هذه تضر أحمد في رأسه ، فهو ليس على استعداد لتحمل المسؤوليات التي لا تنتهي . وهو ” ماشاف وما تشوف ” كم يقول .. ثم إن نفسه تميل إلى نعيمة التي يخجل منها ولم يفاتحها في الموضوع بعد .. ولا يقوى على ذلك وإن رغب ..
أما الأب فيبدو خارج موضوع الزواج . ربما لأنه نادم على زواجه المبكر الذي كانت حصيلته : ثلاث إناث وخمسة ذكور.. وأحمد رابعهم .. أو ربما لأن الأب يتسلم منه بانتظام حوالة مالية تساعده على معاندة عوائد الزمان .. فلا يتدخل فيما لا يعنيه .. يكتفي بالرضا على ابنه أحمد كلما تسلم المبلغ الذي يزداد قيمة مع المناسبات والأعياد وفترات العطل التي يقضيها أحمد في سطح البيت وكأنه يقيم في أوطيل دون نجوم ..
الزواج وتكاليفه وربما انقطاع الحوالة عن الأب ليس في مصلحته وهو يعيش في ركن بصفته متقاعدا .. والزواج الافتراضي قد يحرمه من جني ثمار تعبه المستديم .. فظروف العيش قاهرة في بلد لا حرية لا كرامة ولا عدالة اجتماعية فيه … ” المتقاعد يعيش فيه عيشة الذبانة فالبطانة ” ..
وعلى مشارف نهاية العطلة الصيفية .. همست الأم لأحمد وألحت في خطبة ابنة الجيران على الأقل .. حتى لا يسبقه إليها غيره حسب ادعائها .. أحمد يتردد ولا يريد أن يقتنع باقتراحها .. وفي الوقت ذاته لا يرغب في إغضابها .. ” لن أخسر شيئا ، سأرافقها وبعدها لها حلال …” قال متلعثما وهو يحدق في ملامحه الطيبة على المرآة ..

( حوار طويل محذوف حول الزواج والطاعة بين أم أحمد وأم حكيمة وأبيها ، يتضمن آيات بينات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة وآراء فقهاء حول حواشي الموضوع ذاته وحول المائدة ) …

طيلة الحوار ظل أحمد صامتا يشير برأسه معبرا بملامحه الخجولة عن تردده وموافقة أمه على شطحاتها في مديح حكيمة وتألقها بين بنات الجيران رغم أنها لم تكمل دراستها الإعدادية … وفي الثناء على ابنها أحمد السميع والمطيع الذي يتابع الحديث بقليل من الاهتمام في انتظار الذي يأتي ولا يأتي .. وشاردا كان أحمد يقارن البون الشاسع بين ما يقال وبين ما قرأه في تاريخ الأديان والأنتروبولوجيا والأساطير وكتب التفسير واجتهادات الفلاسفة في الموضوع .. ورغم ذلك لم يتدخل ولم يشعر أنه كان سلبيا في الحوار على العكس من ذلك وإن كان مدفوعا إلى هذه الجلسة الحميمة . فحضوره الجسدي وإنصاته في خجل وثبات يكفي ليكون طرفا إيجابيا وفاعلا .. حوار في كليلة ودمنة بين الببغاوات ، كلام ممل واستطرادات وحشو وخروج عن الموضوع كل هذا جعله يعيد النظر في الصورة التي رسمها لأمه زمن الطفولة وزمن النعم …
وهما يغادران بيت حكيمة وضعت الأم يدها اليمنى على أحمد في اطمئنان :
ــ هل رأيت يا ولدي ؟ أناس طيبون متدينون محافظون … رفع عينيه في وجه أمه وهو على الرصيف الأيسر موافقا على توصيف الأم : حكيمة فتاة جميلة وهادئة لا ترفع عينيها في أحد و لا تتكلم ومحتجبة وتصلي الصلوات في أوقاتها ويتمناها كل شاب للزواج ..
ــ هذه الصفات الجميلة الصالحة يا أمي جميعها لا تعنيني . فأنا خائب وعصبي وأريد فتاة في مستواي وطباعي تنسجم مع تفكيري المنحرف عن العادات والتقاليد.. فأنا لا أصلي ولا أزكي .. ومرتاح جدا دون زواج ..الزوجة التي أريد ــ إذا سمح الله ــ أريدها فقط تقرأ و تكتب وربما ترسم .. وهذا ما يعنيني الآن فيها .”. ثم تساءل وهو يدخل بيته صاعدا في اتجاه سطح البيت :
ــ هل حكيمة خايبة ؟ وهل أمي كذلك خايبة ؟ .. أم أنا الذي … ؟ …
……………….
غشت 2013
……………

قد يعجبك ايضا

اترك رد