الرابور طوطو : كيف يكون الإدمان على الحشيش مصدر الإلهام والإبداع؟….

0 370


ذ، محمد بادرة


اثار مغني الراب المغربي طه فحصي المعروف فنيا بطوطو الغراندي، اثار موجة سخط كبيرة في الاوساط الاجتماعية والسياسية والثقافية بعد تصريحه المثير في الندوة الصحفية بمناسبة احيائه لسهرة فنية بمدينة الرباط عن تعاطيه واستهلاكه لمخدر الحشيش، وبرر سلوكه غير السوي في تناوله المخدرات بالمغني العالمي الجمايكي بوب مارلي وكانه سلوك “يجب” اقتذاء كل الفنانين به؟؟ فكيف تستوي هذه المعادلة او التباهي بسلوك شخصي لفنان له فلسفة في الحياة وبصمة ابداعية موسيقية وغنائية خالدة تعبر عن عصر وجيل وحياة وموقف من نظام عالمي ظالم وغاشم.
ان تصريحات (طوطو) خرجت عن المألوف وانغمست في المكبوت باللغة الواضحة المفضوحة لا بالإشارة والمرموز، وفي مهرجان موسيقي محتضن من طرف وزارة الثقافة وفي عاصمة الثقافة الافريقية-عاصمة الانوار مما اثار جدلا كبيرا بين نشطاء السوسشيال ميديا الذين استنكروا مجاهرة الرابور بتعاطيه المخدرات، وكان الاولى من هذا (الرابور) ان يقدم “فنه” على انه مزيج مركب من الفعل والانفعال وليس مزيجا من الحشيش والكلام الساقط.
ان تكون لهذا الشخص الجرأة وهو يتحدث امام منابر اعلامية وطنية وفي مهرجان رسمي محتضن من طرف وزارة الثقافة، ويعطي تصريحات يخبر فيها “الشباب” العاشق لأغانيه بتعاطيه لمخدر الحشيش يدفعنا الى التساؤل عن هذه الجرأة الخارقة في كشف المكبوت، هل هذا سلوك عادي وسليم ام سلوك شاذ ينم عن وجود انحراف او سلوك جانح ؟؟
ان ظاهرة تعاطي المخدرات من طرف عدد من الفنانين والمبدعين وردت عنها روايات في كثير من الكتابات والسير الذاتية لبعض المبدعين، وخصوصا فئة من الذين عانوا من أمراض نفسية وعقلية، الا انهم لم يشيروا ولم يصرحوا ولم يؤكدوا في كتاباتهم ورواياتهم فائدة المخدرات في نجاحهم وشهرتهم ولا في نجاح اعمالهم الفنية والابداعية، بل كانت المخدرات سببا في فشل حياتهم الاسرية وسببا في الاضطرابات النفسية والنهايات المأساوية لحياتهم.
كان الكاتب الامريكي “ارنست هيمنجواي” من الروائيين العالميين الذين حازوا على اكبر الجوائز العالمية، وكان قيد حياته مدمنا على انواع كثيرة من المخدرات والخمور، بل كانت حياته جحيما لا يطاق سواء في بلده الام او البلدان التي هاجر اليها كإيطاليا و فرنسا و كوبا، كان يلجا الى المخدرات وكل انواع الخمور كوسيلة للعلاج الذاتي للتغلب على الاحباط والفشل في الحياة، وجاءت نهايته مروعة ومأساوية. اما ابداعاته العظيمة بما فيها(وداعا ايها السلاح) و(الشمس تشرق من جديد) فقد ابدعها في الفترة التي سبقت تفاقم مشكلته مع الادمان.
هل التباهي بتعاطي مخدر الحشيش جاء بغرض جلب الشهرة ؟ ! ام سقوط تحت ضغط الشهرة؟؟
الحقيقة ان للشهرة ثمنها وللنجاح تكاليفه النفسية والصحية، ولعل من اهم الضغوط ارتباطا بالشهرة افتقاد الخصوصية، فالمشاهير يشعرون انهم مراقبون في سلوكياتهم وكلامهم واسرارهم من خلال الجمهور والاعلام مما قد يؤثر في حياتهم الخاصة والعائلية وربما قد يؤدي هذا الشغف بتتبع أسرارهم الى انهيار “عرشهم” الفني بسبب حملات وسائل الاعلام الرامية الى تشويه سمعتهم، وقد ينجم عن ذلك كله تعاطي المخدرات ( لا ميتري La Mettrie ترى ان تحبيد تعاطي المخدرات قد يعطي علاجا ذاتيا للإحباط او الوهم بالسعادة )
ان للشهرة ضريبتها وتكاليفها وضغوطها، وان لفقدانها او الشعور بفقدانها ضريبة اصعب خصوصا عند الممثلين السينمائيين والرياضيين والمغنيين والموسيقيين، هؤلاء تكون شهرتهم مبكرة وسريعة، وقد عبر احد المغنيين المشهورين في امريكا بعد ان انحدرت شهرته وانهارت حياته الزوجية وصار موضعا للسخرية من الناس ازمته قائلا : اذا فقد اي شخص عمله فان الوحيدين الذين يعرفون ذلك هم اصدقاؤه اما عندما افقد عملي فان العالم كله يعرف ذلك !!!
فهل (طوطو) في مثل مرتبة هؤلاء الذين ينشدون الشهرة ويحترزون من قول اي كلمة او اطلاق اي اشارة تعبر عن “مكبوت” حتى لا تكون سببا في سقوط “عروشهم” الفنية، تراهم محصنين في بروج عاجية لا يمكن ان تصل اليهم عين او عدسة، فكيف بالرابور يفرش كل اوراق حياته الخاصة، ويفضح المستور امام عدسات وكاميرات الاعلام والصحافة بشتى الوانها؟؟؟ (اذا ابتليتم فاستتروا)
الشهرة عند الفنان مطمح يريد الوصل اليه باي وسيلة كانت مشروعة او غير مشروعة فيظهر لبعض الناس انه غير سوي و تصدر منه سلوكات غير مقبولة اجتماعيا وقد اكدت بحوث علم النفس الابداعي ان المبدعين (اقصد المبدعين وليس المبتدعين ) بالمقارنة مع غيرهم اكثر قابلية للاستثارة والانفعال بكل ما يتضمنه هذا المفهوم من خصائص بما فيها الانفعالية الزائدة والميل للغضب والدخول في صراعات اجتماعية ومواجهات سياسية او اجتماعية غير مبررة فهذا الشاعر المصري الراحل (صلاح عبد الصبور) لاحظ شيئا قريبا من هذا المعنى في فهمه للمبدع الفنان:
(ان الفنانين والفئران هم اكثر الكائنات استشعارا للخطر ولكن الفئران حين تستشعر بالخطر تعود لتلقى بنفسها في البحر هربا من السفينة الغارقة اما الفنانون فانهم يظلون يقرعون الاجراس ويصرخون بملء الفم حتى ينقدوا السفينة او يغرقوا معها) د. عبد الستار ابراهيم – الابداع والاضطراب النفسي والمجتمع.
هل نعتبر سلوك وكلام مغني الراب طه فحصي سلوكا وكلاما غير متزن وغير عاقل من وجهة نظر المجتمع؟ ام نعتبره شخصا منفعلا ومندفعا وضعيف الاحساس والضمير؟ ام هو نموذج لشخصية مضادة للمجتمع (سوسيوباتيين)؟
ام هل ما قاله الرابور هي حرية شخصية؟
ان الحرية لا تعني ان نطلق العنان للأفعال الاعتباطية، فتركيب الجنس البشري شانه شان اي جنس اخر له خصوصياته، وهو لا يستطيع ان ينمو الا وفق ما يتطلبه هذا التركيب من معايير، ومن تم لا تعني الحرية التحرر من كل المبادئ الاخلاقية والانسانية المرشدة، وانما تعني حرية من اجل النمو وفقا لقوانين بناء الوجود الانساني(اي غير مفروضة على الطبيعة البشرية) ان الحرية تعني احترام القوانين التي تحكم النمو الانساني الامثل واي سلطة او عرف او مذهب يقربنا من هذا الهدف هي سلطة عقلانية (اريك فروم)
وهل له الحق في الدعاية والاشهار العلني بتعاطيه للمخدرات، وهو الاولى بترشيد الشباب والقدوة في سلك طريق الابداع والامتاع ؟؟
لقد خرق الفنانون والمبدعون والعباقرة الكبار القوانين والضوابط المألوفة في مجتمعاتهم لكنهم لم يحرضوا عليها ولم يدعوا الى سلك طرقها والتشهير بها وفي المقابل احتفت البشرية بإنجازاتهم واعمالهم العظيمة حتى وصلت الى الملايين بل الملايير من البشر لتظفي على حياتهم المتعة والجمال والصدق والراحة والشعور بالسيطرة على العالم وعلى النفس
لقد غير(غاليليو ونيوتن من مفاهيمنا عن العالم الطبيعي والبيئة المادية، ومثلهما فعل اينشتين وزويل، واغنى باخ وموزارت حياتنا بما ابتكرا من موسيقى والحان ومثلهما فعل بيتهوفن وتشايكوفسكي وهندل)
وفي الادب والفكر انبهرنا بعبقرية شكسبير و كافكا وجوته وماركيز دي صاد وهولدرين والعقاد وطه حسين وادونيس وغيرهم.. كلهم صنعوا تاريخ الانسانية ونماذج كثيرة منهم وصلت بهم حالات الاضطراب لدرجة احتجازهم في مصحات عقلية للاستشفاء مثل (عزرا باوند – فان جوخ)ومنهم من كانت نهايته مفجعة واصيب بالجنون الكامل (نيتشه) لكنهم مع ذلك تركوا اثارا عميقة في اللغة والنقد والادب والفكر والعلم والسلوك البشري والاجتماعي
لذا فان الاضطراب النفسي والعقلي والاجتماعي والخروج عن المألوف ظاهرة مرتبطة بحياة الكثير من العباقرة والمبدعين لكن ابداعاتهم وانتاجاتهم تنشد القيم والتقدم والتغيير والحداثة والحياة والعدالة والانسانية و هي كلها علاج للمجتمع والإنسانية روحيا وفكريا وجماليا (بيتهوفن – موزارت.)
فماذا قدم الرابور لشبابنا المتعطش للحياة والفن والجمال، وما هي القدوة التي سيستفيد الشباب من حياة الرابور؟؟؟ وكيف يكون الادمان على مخدر الحشيش مصدر الالهام والابداع؟؟؟
ذ. محمد بادرة

قد يعجبك ايضا

اترك رد