بقلم : هشام الدكاني
إن المجتمعات الإنسانية منذ القدم وحتى اليوم ترتكز على الكثير من الأسس التي تساهم في الإستقرار بشكل كبير في كافة نواحي الحياة ، فتعد هي المنظم العام لكافة الأمور عملا على تجنب وجود فوضى داخل تلك المجتمعات ، ومن خلال تلك الأسس يتضح لنا أن العدل أساس ثابت من الممكن الإستناد عليه في كافة الأشياء التي تخص البشر ، والعدل في الحياة يزيد من مفهوم التعايش الإجتماعي ولا يوجد ٱستقرار في الحياة بدون عدل.
حيث يتم تنصيب وظيفة العدل بكونها جزء من التناغم العام في الحياة عملا على زيادة الإستقرار بين البشر وبعضهم البعض على الرغم من الإختلاف الديني أو العرقي.
بتحقيق العدل سوف يشعر الناس بالطمأنينة والإستقرار ، وهذا بالتأكيد سيحفزهم على العمل والإنتاج بالشكل المتقن والسليم وبالتالي سيزدهر المجتمع ويتقدم ، فمن يشعر بأن حقوقه محفوظة سيعمل ويجتهد من أجل الوصول لأهدافه وبالطرق الشرعية والقانونية ، ومن يشعر بعكس هذا إما أن يتكاسل ويهمل أو يلجأ للطرق غير القانونية لتحقيق ما يطمح إليه ، وعندما تكون الحكومة ظالمة بالتأكيد سيسود الحقد والكره والإضطهاد ، وبالتالي سيكون المجتمع ضعيفا والدولة أكثر عرضة للتدخلات الخارجية والخراب ، بل يجب على الإنسان أن يبدأ بنفسه أولا حتى يتحقق العدل في المجتمع كافة.
إنه لأمر يدعو للقلق الكثير على حاضر ومستقبل هذا الوطن نظرا لٱهتزاز ثقة المواطن المغربي في عدالة بلده بشكل مخيف ، بل وتكون هذه الثقة منعدمة حين يجد نفسه طرفا يتنازع على حقه أمام جهة من الجهات المالكة للسلطة ، فصار بذلك المواطن المغربي يحس بالظلم في بلده الذي يتوجب عليه أن يعطيه حقوقه الكاملة ويصونها ، بدل أن يستولي عليها ويسلبها بممارسات سلطوية ٱستبدادية مغلفة بمسميات براقة في ظاهرها ، لكن من ورائها خداع وظلم كبير لأبناء الوطن الوطنيين أكثر من السياسيين الجشعين الذين يقودونهم ، لهذا نجد أصحاب السلطة يتفننون في القرارات الجائرة بحق الشريحة المجتمعية المستضعفة ، لا لشيء إلا لتمرير وتطبيق ما تملي عليهم ضمائرهم الغائبة ولو ظلما وعدوانا ، لأن ذلك ما يضمن لهم الحفاظ على كراسيهم المزينة بدماء المستضعفين من أبناء هذا الوطن.
والمثير للدهشة أن المسؤولين في الأنظمة الفاسدة لا ينفكون يتحدثون عما يطلق عليه بدولة الحق والقانون ، والتي تبدو في الأفق للمواطنين المقهورين مجرد خداع وتوهيم لهم ، وبات السؤال البديهي المطروح:
– عن أي حق وقانون يتحدث هؤلاء وهم في الأصل من يسلطون سياط ظلمهم على المواطنين المستضعفين؟ وما يفعلونه من ممارسات لاأخلاقية جائرة تعطي زخما قويا لكل من يطبل لهم ، ليحسن الترويج لرؤاهم المغلوطة التي تتذرع بالمصلحة العامة من أجل بسط هيمنتهم وٱستعبادهم.
– أي عدل ينتظر عندما يكون الظالم هو نفسه القاضي والجلاد؟!
فغياب العدل في صورته المتكاملة كممارسة واقعية وظاهرة في بلدنا ، يقابله نهج غير مبرر للمقاربة الأمنية ضد كل محتج مطالب بحقه بشكل سلمي وحضاري ، عوض التجاوب الملموس والواقعي مع مطالب مختلف فئات المجتمع المتضررة والمسلوبة من حقوقها ، تتنامى عملية القمع عبر تطوير آلياتها بٱستحداث القوانين التي تمنع المواطنين من أي مظهر من مظاهر الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية ، وهذا بالذات ما يؤكد أن الخيار الأمني السلطوي مقصود لتأسيس عملية طويلة الأمد للقمع ، والذي يهدف إلى منع حرية التعبير والإجهاز على الحق في التظاهر والإضراب بقوانين ٱستبدادية مجحفة.
إن الأنظمة السلطوية تعتمد على عكاز الأمن لتمارس الظلم والجور والقهر مع مواطنيها تحت مسمى القانون الذي يوضع على مقاس مصالح هذه الأنظمة التي تفقد شرعية ذلك القانون أخلاقيا وإنسانيا ، وتبقى تلك الأنظمة مهزوزة حقوقيا مهما رفعت من شعارات الديموقراطية الراقية التي يظهر زيفها في أبسط الأمور الحياتية المعاشة بأرض الواقع ، فقد تحارب وتحاصر وتسجن من يختلف معها ولو في رأي موضوعي أو موقف سياسي ، لأنها تعتبر ذلك انتفاضا ضد ما تم سنه من قوانين ظالمة ، فيحاسب بذلك المواطنون بحجة أنهم لم يحترموا ما نصت عليه تلك القوانين التي تجور عليهم وتكبح وعيهم ، تطبيقا لمبدأ العدل في زمن اللاعدل.