اللغة الأمازيغية

0 769

اللغة الامازيغية: بين الأطروحة الكولونيالية ……..

والواقع التاريخي المعاش

ذ: محمد بادرة- باحث

اتفق اغلب علماء اللغة والتربية والتاريخ على أن اللغة هي رهينة المجتمع الذي تتداول فيه. فخصوصياتها ومميزاتها تتحدد داخل تاريخها التكويني وبالتالي فهي ظاهرة اجتماعية لا صفة بيولوجية ملازمة للفرد يتعلمها الإنسان لينخرط في المجتمع كما أكد على ذالك سابير SAPIR هذا الذي اعتبر أن وظيفة اللغة تمثل الأداة القوية للتطبيع الاجتماعي عن طريق خلق وتقوية أواصر الانسجام بين أفراد الجماعة كما تعمل كوسيط منسق للأفعال وتساعد على نمو الفرد وتميز فردا نيته .

هذا الطابع الاجتماعي للغة يعرضها للتبديل والتغيير حسب تغير وتبدل وتطور الزمن أو تطور البنيات الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية, يقول عبد الرحمان ابن خلدون في مقدمته الخالدة (ومنذ القرن الثامن الهجري ,إن عرف التخاطب بين الأجناس والأمصار مختلف ومتباين حسب العصر والبيئة .اعلم أن عرف التخاطب في الأمصار وبين الحضر ليس بلغة مضر القديمة ولا بلغة أهل الجيل بل هي لغة أخرى قائمة بنفسها بعيدة عن لغة مضر وعن لغة هذا الجيل العربي الذي لعهدنا وهي –أي اللغة- مع ذالك تختلف باختلاف الأمصار في اصطلاحهم .فلغة أهل المشرق متباينة بعض الشيء للغة أهل المغرب )

المقدمة -ابن خلدون – مطبعة مصطفى محمد –ص:558

وفي نفس الصفحة يقيم ابن خلدون مقارنة بين لغة أهل المشرق ولغة أهل المغرب وما بينهما من تفاوت واختلاف بسبب اختلاف عمرانهم ويقول :(امافريقية والمغرب فخالطت العرب فيهما البرابرة من العجم بوفور عمرانها بهم ,ولم يكد يخلو عنهم مصر ,و لا جيل فغلبت العجمة فيها على اللسان العربي الذي كان لهم وصارت لغة أخرى ممتزجة و العجمة فيها اغلب لما ذكرناه . فهي عن اللسان الأول ابعد)

المصدر السابق ص:558/559

إذا كان ابن خلدون يؤكد الاختلاف الموجود بين لغة أهل المشرق ولغة أهل المغرب ويرجع هذا الاختلاف إلى تطور العمران فان السوق اللغوية في المغرب الحديث مطبوعة بتعددية لسنية ولهجية فإلى جانب اللغات واللهجات الوطنية من عربية فصحى وعربية دارجة واللغة الامازيغية بفروعها الثلاثة, تتواجد لغات أخرى أجنبية كالفرنسية والانجليزية والاسبانية لها حظها في مجال التعليم والمبادلات الاقتصادية و الخدماتية و الإعلامية.

هذه الوضعية الفسيفسائية تتميز بصراع رمزي كثيف بين هذه اللغات, وهو صراع يحكمه ما هو سياسي –إيديولوجي (اللغة العربية)ويحكمه ما هو اقتصادي-مالي (الفرنسية)و ما هو تكنولوجي –إعلامي(الانجليزية) كما يحكمه ما هو تاريخي –جيوسياسي(الاسبانية في صراعها مع الفرنسية). أما

اللغة الامازيغية فتقاوم على كل الجبهات للحفاظ على وجودها وهويتها واستمرارها أمام ضغط وزحف كل هذه اللغات المتصارعة, السالفة الذكر.

اللغة الامازيغية:رصد تاريخي بمنهج استشراقي

تنتمي اللغة الامازيغية إلى العائلة اللغوية السامية القديمة المعبر عنها في تاريخ اللغات :PROTOSEMIQUE و تنتشر في المغرب والجزائر وليبيا وجنوب تونس وموريتانيا ومالي والنيجر وجزر الكناري .ففي ليبيا نجد الناطقين بالامازيغية في جبل نفوسة و فزان أما في تونس فتستعمل الامازيغية شرق قفصه وفي جربه وفي جنوب الصحراء يكون الطوارق مجموعة امازيغية جد متماسكة لكن المغرب والجزائر هما القطران اللذان توجد فيهما اكبر نسبة للناطقين باللغة الامازيغية .

وعن القرابة العائلية والتاريخية بين الامازيغية و اللوبية لسان قدماء الليبيين و النوميديين, يقول المستشرق المتمزغ أندري بآسي ANDRE BASSET نقلا عن غبريال كامبس ان (المفهوم الشائع عن البربرية أنها لغة أهلية وحيدة إلى عصر قبتاريخي ,,,,,,,يعتمد أساسا على البراهين السلبية ,,,,,,,إذ أن البربرية لم تقدم إلينا إطلاقا على أنها مدخلة ,وان وجود أو اختفاء أية لغة أهلية أولى غيرها بادت وعفا أثرها ,لم يثبت لدينا بالحجة البينة القاطعة أصلا ,,)

محمد شفيق مذكرات من التراث المغربي –الجزء الثامن1986ص:102

ويضيف كامبس فيقول :(اذا لم تكن اللوبية هي الصورة القديمة للبربرية فلسنا نرى متى وكيف قدر للبربرية أن تنشا وتتكون ) وهذا ما جعل كامبس يقيم علاقة قرابة بين اللوبية و الامازيغية .

المرجع السابق ص:103

اعتمد أندري بآسي كذالك في تحديد طبيعة اللغة الامازيغية وجذورها التاريخية على انجازات لغويين أوروبيين آخرين أمثال :

كسيل gsell ودوغوشمونتيكس DE ROCHEMONTEIX هذا الأخير أكد عن وجود قرابة وثيقة بين الامازيغية والمصرية القديمة حيث أن المقاربة بينهما تؤكد أنهما ينتميان إلى نفس المجموعة المسماة بالشاميتية CHAMITIQUE وهو نفس العمل الاركيولوجي واللغوي الذي قام به جورج مارسي في مؤلفه (النقوش اللوبية في إفريقيا الشمالية ) أما دولافوس DE LA FOSSE فيسجل تحفظاته لكونه غير متيقن بوجود صلات بين البربرية ومجموعة من اللهجات الموجودة في الحبشة مع ربط الحوصة HAOUSSA التي ليست لغة حامية ,,,,ولكن كلغة زنجية لها تأثير بدرجة اقل أو أكثر على القرابة التي تربطها بمستعملي الامازيغية .

إن هذه المقاربات والمقارنات والعلاقات القرابية والعائلية والتاريخية بين هذه اللغات القديمة لا يكاد يخرج عن مجرد الانطباعات والتأويلات الخاصة خصوصا وان المرحلة عرفت انتشارا واسعا للمنهج المقارن والاتجاه الوضعي وبدا التأسيس للدراسات اللغوية وعلم اللغة أساسا :

جاء اودني OUDNEY فلاحظ أن الطوارق يتكلمون لغة هي في خصائصها إذا قارنها بالليبية تعطي لنا فضاء أو مجالا عائليا غير قابل للإنكار وهذه اللغة الليبية تملك حروفا ذات وجود في كتابات دوكا DOUGGAالمكتشفة سنة1631م والممتدة من سينا إلى جزر الكناري ,

وعن الكتابة الامازيغية القديمة أشار عدد من اللغويين الأوربيين و الاثنولوجيين أن البحوث التاريخية أقرت انه لم ينشا على ارض القارة الإفريقية كلها إلا أبجديتان اثنتان –بصرف النظر عن الهيروغليفيات –وهما الأبجدية الامازيغية و الأبجدية الإثيوبية وان مجال انتشارها يمتد من شمالي السودان إلى جزر الخالدات غربا ومن صقلية والأندلس شمالا ,,,,وتسمى هذه الحروف تيفيناغ

محمد شفيق –لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الامازيغ–دار الكلام –الرباط 1989 ص61

ولقد استمرت الامازيغية حية باقية صلبة دائمة بدليل أنها حافظت على كيانها إلى هذا العصر الذي نحن فيه دون أن تفقد إشعاعها الاجتماعي والتواصلي كما أكد ذالك أندري بآسي في كتابهla langue berbère -1929 و ليونيل كالا ند في كتابه langue et littérature berbères -1969 وقد وصفوا هذه اللغة في بعض مقاطع كتابهما أنها لغة حية ووحدتها ماثلة محسوسة في كل مكان تنمي نفسها ورصيدها بواسطة أنشطة فنية من شعر وغناء وحكاية وأسطورة ,,,,

ومن مواصفات هذه الامازيغية كلغة قائمة الذات :

أ- الحيوية :إنها لغة الأم بالنسبة لجزء كبير من أبناء الشعب ألمغاربي يستعملونها بانتظام للتعبير عن ذواتهم وعن مختلف حاجياتهم فالامازيغية ما تزال متداولة حية محافظة على كيانها الذاتي يتخاطب بها الناس في تلقائية وعفوية كما انه قابلة للتطور والتجديد لا سيما أن لها نظاما اشتقاقيا مرنا يتفاعل فيها الاشتقاق الأكبر والاشتقاق الأصغر مع النحت والتركيب المزجي تفاعلا يضاعف إمكانات الخلق المعجمي اليسير المنال .

محمد شفيق –المرجع السابق ص:60

ب- التاريخية :اللغة الامازيغية هي لغة تاريخية يعود ظهورها إلى آلاف السنين كما أنها لغة مقترنة بالكتابة ,كتابة أثبتت البحوث العلمية أنها تعود في ظهورها إلى فجر التاريخ .

المرجع السابق :ص61

ج -الاستقلالية :اللغة الامازيغية تربطها علاقة أسرية مع اللغات الحامية-السامية ولكنها مستقلة وبعيدة عنها سنكر ونيا فهي لغة قائمة بذاتها وليست لهجة متفرعة عن لغة أخرى بل لها هي لهجاتها المتفرعة عنها .

الانقسامية :اللغة الامازيغية لغة غنية تتفرع عنها لهجات يمكن أن نميز فيها هده الفروع الأساسية في المغرب :

الزناتية (تاريفيت) ويتكلم بها أهل الريف وسكان بعض المناطق الأطلسية في المغرب و الامازيغ الليبيون والتونسيون والجزائريون ماعدا القبايل.

-المصمودية (تاشلحيت )ويتكلم بها سكان الأطلس الغربي الكبير وسوس

-الصنهاجية (تامازيغت ) ويتكلم بها رجال القبائل وسكان الأطلس المتوسط وشرقي الأطلس الكبير وشرقي الأطلس المتوسط وناحية ملوية وطوارق الصحراء .

عباس ألجراري -الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه ص:18

يرى الباحثون أن هذه الفروع منبثقة من اصل لغوي واحد لهذا تتشابه هذه اللهجات الامازيغية لا في معطياتها النظرية ولكن حتى في معطياتها المتصلة بالممارسة والاستعمال وسبق أن بين المستشرق الفرنسي أندري بأسي التشابه القائم بين هده اللهجات حين أكد أن الدارس والمتعلم بإمكانه –إذا كان يتقن إحدى اللهجات الامازيغية – أن ينتقل من لهجة إلى أخرى دون أن يحس بأنه ينتقل من شكل لغوي إلى آخر لما بين هذه اللهجات من وحدة في البنية والشكل (إن بنية اللغة الامازيغية وعناصرها وأشكالها الصرفية تتسم بالوحدة إلى درجة انك إن كنت تعرف حق المعرفة لهجة واحدة منها استطعت في ظرف اسابيع أن تتعلم أي لهجة أخرى تدلك على ذالك التجربة اذ اللغة هي اللغة نفسها )

ANDRE BASSET –quelques considérations sur la langue berbère-1949-p10-11

د-الشفوية والكتابية :إنها لغة شفوية وكتابية في نفس الآن ولكن طابعها الشفوي أكثر حضورا وبروزا نضرا لتعبيراتها عن الأدب الأصيل المتمثل في الغناء والشعر والحكاية و الأسطورة و الأمثال والقصة والمسرحية ,,……كل هذه الفنون و الآداب استوعبتها الامازيغية مما جعلها تجمع بين التواصل البشري والتعبير الفني عن الحياة الاجتماعية فتحولت بذالك إلى لغة أدبية مستعينة ومستعملة الكتابة بحروف امازيغية(تيفيناغ) أو حروف عربية أو لاتينية مما أخرجها في الآونة الأخيرة من التعبير عما هو شعبي إلى التعبير عما هو فني إبداعي متطور. أي خرجت من إطار الاستهلاك الشفوي التقليدي إلى إطار القراءة الفنية الحديثة .

إن أراء واستنتاجات عدد من المستشرقين والاتنولوجيين والانتروبولوجيين في تلك الفترة الاستعمارية كانت محكومة بمعرفة كولونيالية تأسست انطلاقا من المعتقدات الإيديولوجية التي تشربت بها الدوائر الاستعمارية لاسيما المؤسسات العسكرية الفرنسية خصوصا و الأوربية عموما وهذه المعتقدات الإيديولوجية ترجف في -أصولها -إلى ذالك النسق الأعلى للإيديولوجية الاوربية في تلك المرحلة وهي مرحلة تكون فيها العقل الأوروبي الجديد داخل دائرة كبرى تسمى –المركزية الأوروبية الحديثة- وهو نوع من التمركز حول الذات المتضخمة لديهم ما جعلهم يفكرون في البحث عن مصير شعوب أخرى ولاسيما الشعوب المستعمرة والمستضعفة وصار هذا التمركز حول الذات عقدة تؤطر المعرفة الكولونيالية بصورة عامة ليس في مجال اللغة و الأدب وإنما في كل المعارف فظهرت مؤلفات ومعاجم ومصنفات لباحثين ودارسين أوربيين تحكمت فيها المعرفة الكولونيالية كمؤلفات الإخوان بآسي –ليونيل كالان –روبير مونتاني –إميل لاووست –أندري أدام -……وأصبحت تلك الظرفية التاريخية وتلك النظرة الكولونيالية للأشياء متحكمة في كتابات هؤلاء وخصوصا هنري

بآسي هذا الذي وظف مناهج ومقاربات تحليلية وفق تصور معرفي أوربي حيث لا يرى في لغة الأخر إلا الهزال والضحالة والجمود ,,,,لقد تكلم عن اللغة الامازيغية واعتبرها لغة هزيلة /ضحلة /منزوية /فقيرة في أفكارها و مصطلحا تها وألفاظها. وكاد أن يعتبرها لغة بدائية على اعتبار أن الشعب الذي يتكلم بها هو نصف بدائي ,أما أندري بآسي (شقيق هنري بآسي) فيرى أن الامازيغية لا تسمو إلى مرتبة لغة ولا غالى مرتبة ثقافة بل تبقى لغة محلية أهلية تنحصر في التعبير عن الحاجيات البسيطة للمجموعة الضيقة ,ويسايرهما إميل لاووست الذي يعتبر اللغة الامازيغية لغة عنيدة متصلبة جامدة غير حضارية أي أنها لاتصل حالا للحديث داخل الأسرة أو أثناء ممارسة الأشغال الشاقة والخشنة والتقاليد المحلية وهي عنيدة إزاء أي خطاب علمي كما أنها لا تستطيع إن تتوفر على طاقات لغة مما عادى بالى تشتتها غالى فسيفساء من اللهجات المحلية واستدل على عجزها بان الامازيغيين يلجؤون إلى العربية كوسيلة للتفاهم فيما بينهم بعد عجز لغتهم عن القيام بذالك ’

وفي علاقة الامازيغي بلغته يرى هنري بآسي أن الامازيغ مزجوا بين لغتهم وبين اللغات الأخرى التي تعايشوا معها غير أن ذالك التعايش سرعان ما تحول إلى هيمنة وسطوة لتتقاعس الامازيغية أمام تلك اللغات الطارئة مستنتجا أن كل لغة دخيلة وطارئة على المنطقة (المغرب)كانت تعمل على أن تسطو وتهيمن على حساب اللغة الأصلية –أي الامازيغية-ويزيد المستشرق هنري بآسي في استنتاجاته ليؤكد أن الامازيغية كانت تخاف وتتراجع وتخبو وكثيرا ما تغير العديد من مفرداتها ويتراجع اكتساحها على مستوي المجال الجغرافي كلما دخلت لغة جديدة إلى المنطقة .

-انظر أعمال الدورة الثالثة لجمعية الجامعة الصيفية باكادير –منشورات عكاظ 1990

إن هذه الأحكام الصادرة عن هؤلاء الكولونياليين ما هي إلا أحكام انطباعية مغلفة بغطاء إيديولوجي ومقولبة في قالب (علمي) لا تحمل من الوصف إلا الاسم ولا تحمل من الموضوعية إلا الشكل ,فهي تعبر عن نزعة تفوقية إزاء ثقافة ولغة الأخر

إن اللغات في نطاق نظرية الصراع اللغوي تتفاعل وتتبادل التأثير والتأثر ولكن لا يمكن القول أن لغة ما ستتقلص أو ستتراجع على حساب لغة دخيلة إلا في شروط اجتماعية وسياسية خاصة .

لقد تراجع موقف بعض من هؤلاء بعد تطور الدراسات اللغوية وعلم اللغة العام وهكذا تبدل موقف بآسي بعد ثلاثين سنة حين قال (إن بنية اللغة الامازيغية وعناصرها وأشكالها الصرفية تتسم بالوحدة إلى درجة انك إن كنت تعرف حق المعرفة لهجة واحدة منها استطعت في ظرف أسابيع آن تتعلم آية لهجة أخرى تدلك على ذالك التجربة إذ اللغة هي اللغة نفسها

يرى كالا ند …آن الامازيغية ماتزال حية فوحدتها العميقة ماثلة محسوسة في كل مكان, ذالك أنها ما انفكت تنمي وتتعهد شفويا أنشطة فنية قيمة من شعر وغناء وحكاية وأسطورة .

Revue le monde non chrétien –n11 -1949

ذ:محمد بادرة- باحث في الثقافة الامازيغية

قد يعجبك ايضا

اترك رد