المسرح الملكي في كوبنهاغن .. تاريخ ومسار

0 441

يعتبر المسرح الملكي (كونغيليا تياتير) في كوبنهاغن النموذج المثالي للاستشهاد بارتباط بعض المؤسسات بتاريخ الدنمارك.

ورغم أن البلاد كانت تتوفر ، خلال العصور الوسطى وعصر النهضة ، على مسارح مدرسية واستقبلت فرقا مسرحية أجنبية متجولة ، فقد شهدت مدينة كوبنهاغن في سنة 1722 افتتاح أول مسرح مستقر هو “لا كوميدي دو ليل غرونيغادا”.

ويقول إريك أسشينغرين ، الناقد والمحاضر ، “لقد تم تجسيد أعمال موليير المترجمة إلى اللغة الدنماركية ، وكتب لودفيج هولبرغ (1684-1754) سلسلة من الأعمال الكوميدية الدنماركية الأصل”.

وأضاف أن مسرحية “الخزفي السياسي” (1722) كانت من بين أولى هذه الأعمال المسرحية الاستثنائية ، والتي كانت مستوحاة أيضا من الفن الإيطالي الذي لا يزال حاضرا إلى غاية اليوم.

وكان ينبغي انتظار سنة 1748 لبناء المسرح الملكي بالقرب من الميناء القديم ، في ساحة “كونغينس نيتورف” الأسطورية ، التي تخضع حاليا للتجديد.

وصمم المبنى الأول من قبل المهندس المعماري نيكولاي إيغتفيد ، الذي أعد أيضا تصميم قصر أمالينبورغ.

وأعيد في سنة 1774 بناء المسرح السابق ، الذي كان يستوعب 800 متفرج ، من أجل توفير مقاعد إضافية لاستقطاب المزيد من عشاق الفن المسرحي.

وكان عدد العاملين خلال المواسم الأولى للمسرح قليل ، حيث تكونت فرقة المسرح من ثمانية ممثلين وأربع ممثلات وراقصين اثنين وراقصة.

وأسست وزارة الثقافة الدنماركية ، بعد عقود من ذلك ، المسرح الملكي ، ليشكل مساحة تتعايش فيها الإبداعات الدرامية مع فن الأوبرا والباليه مع تنظيم حفلات موسيقية تحت سقف واحد.

ويصادف كل زائر عند مدخل المسرح ، الذي يرحب بكل القادمين إليه ، تمثالان لكاتبين مسرحيين هما لودفيغ هولبرغ (1684/1754) وآدم أولينشلاغر (1779/1850).

وشيد على طراز عصر النهضة من قبل فيلهلم داهليروب وأوفا بيدرسن ، ويمنح رؤية لمبنى جميل على النمط الكلاسيكي ، مع الأعمدة والزخارف الجميلة على الواجهة.

ويجد الزائر بعد عبور البوابة الزجاجية تمثالين آخرين لكاتبين مسرحييين هما يوهانس إيوالد (1743/1781) ويوهان هيرمان فيسيل (1742/1785).

ويمكن أن تستغرق زيارة المسرح مدة طويلة وتحتم بعض الدقة والاهتمام الكبير ، وذلك لكثرة التماثيل والمنحوتات والصور وروعة الهندسة المعمارية التي يتمتع بها ، مما يشكل فرصة للاطلاع على الكيفية التي تطورت بها الحياة الثقافية والسياسية في الدنمارك والصعوبات التي واجهتها.

وأوضحت المرشدة الشابة المحبة للرياضات الشتوية ، والتي عادت مؤخرا من مدينة الصويرة ، كيف أن الروائي الشهير هانس كريستيان أندرسن (1805/1875) فشل في مساره المهني كممثل وكاتب مسرحي ليركز على تخصصه الأصلي.

وكشفت عن العداء بين الممثلة يوهان لويز هايبرغ (1812/1890) وزميلتها آنا نيلسن (1803/1856)، والمساهمة التي لا تقدر بثمن لمصممة الرقصات أوغيست بورنونفيل (1805/1879) في إحداث باليه دنماركي نموذجي.

وكانت جولة الكواليس ، مع أبوابها التي لا حصر لها والغامضة ، مثل أبواب البيت الأخضر (غرفة الممثلين) ، أو ورشة الأزياء (أكثر من 200 ألف) ، لا تخلو من تقديم تفسيرات ذاتية حول الطريقة التي كانت ترى بها الدراما الدنماركية العالم ، من هارالد البلوتوث (910/986) إلى يومنا هذا.

ولا تزال قاعة العروض على وجه التحديد مستمرة في التعبير عن الاستثناء الذي يفتخر به المسرح الملكي (أكثر من 1400 مقعد) مع سقف مزين ، ومجهز بنحو 600 من المصابيح ونظام صوتي أكثر تعقيدا ، وكذا بالجناح الملكي الذي يواصل من خلاله ملوك الدنمارك ، حماة الفنون والثقافة ، مراقبة حيوية العروض.

ومع اقتراب موعد انتهاء الزيارة ، كان هناك مجموعة من الأطفال الصغار دون الخامسة من العمر يرتدون ملابس بيضاء يتدربون في المبنى المجاور على عرض للباليه ، وهو ما يشير إلى التنشئة المبكرة لفناني الجيل القادم. فهل من قبيل المصادفة أن يقول الفيلسوف الشهير سورين كيرغارد (1813/1855) ، أحد رواد المكان ، “توجد في الدنمارك مدينة واحدة ومسرح واحد”؟

قد يعجبك ايضا

اترك رد