بيــان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول اليوم العالمي للغة الأم الذي يصادف 21 فبراير من كل سنة ومن أجل رفع كافة أشكال التمييز ضد اللغة والثقافة الأمازيغيتين .

0 599


*تحتفل شعوب العالم المؤمنة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها أمميا، باليوم العالمي للغات الأم، يوم 21 فبراير من كل سنة، الذي أقرته اليونسكو في مؤتمرها العام سنة 1999 وبدأ الاحتفال به سنة 2000، إيمانا منها بأهمية التنوع الثقافي واللغوي في الحفاظ على السلم العالمي، ودورهما في تعزيز التسامح واحترام الاختلاف والتعدد؛ وهذا ما حدا بها لأن تعتبره، في إعلانها بشأن التنوع الثقافي، الصادر عن دورتها الحادية والثلاثين بتاريخ 20 نونبر 2001، قفزة غير مسبوقة في الاعتراف الدولي بالتنوع الثقافي، وأن تضعه في مصاف التراث الإنساني الضروري “للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية”، وتجعل من الدفاع عنه ” واجبا أخلاقيا ملزما، لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان”.

وفي إطار التذكير بما توليه أجهزة الأمم المتحدة من أهمية خاصة لموضوع التعدد اللغوي والثقافي ولمخاطره ونتائجه، من تهديد للسلم والوئام بين الشعوب، فقد تعزز هذا الإعلان بالعديد من الوثائق، نخص بالذكر منها:

  • اعلان الأمم المتحدة للشعوب الأصلية، المعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 298/61، المؤرخ في سبتمبر 2007، والذي أكد على مساواة جميع الشعوب، وحقها في أن تكون مختلفة عن غيرها، ومن الواجب أن تحترم كما هي” بغض النظر عن دينها ولغتها وحضارتها أو أي اعتبار آخر كيفما كان”، واعتبر أن “جميع الشعوب تساهم في ثراء الحضارات والثقافات، والتي تشكل إرثا مشتركا للإنسانية جمعاء”؛
  • الوثيقة رقم 178/71 الصادرة عن الجلسة العامة للأمم المتحدة، المنعقدة في 19/12/2016، التي جعلت من سنة 2019 سنة دولية للاحتفال والاهتمام بحق الشعوب الأصلية في لغاتها وثقافتها؛ فيما أعطيت الانطلاقة لإعمال هذه الوثيقة، في حفل نظم بمقر اليونسكو بباريس، بتاريخ 28 يناير 2019، تحت شعار “أهمية لغات الشعوب الأصلية من أجل بلوغ التنمية المستدامة وبناء السلام وتحقيق المصالحة”. وتهدف هذه المبادرة إلى رفع “مستوى الوعي العالمي بالمخاطر الجسيمة التي تهدد لغات الشعوب الأصلية، وإثارة الانتباه إلى أهمية اللغات لضمان التنمية المستدامة والمصالحة والحكم الرشيد وبناء السلام”؛ كما تسعى إلى تحسين حياة هذه الشعوب، وتعزيز قدراتها في إدارة شؤونها الاقتصادية والاجتماعية.

وانطلاقا من المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، التي تعتبر، في مجمل وثائقها، الحقوق اللغوية والثقافية جزءا لا يتجزأ عن باقي الحقوق، وتقر بأن أي إخلال بها هو تجاوز وانتهاك وإخلال بكل الحقوق؛ سواء كانت مدنية وسياسية، أو حقوق اقتصادية واجتماعية وبيئية؛

ونظرا لما يميز المغرب في هذا المجال وما يعانيه الأمازيغ من تمييز وتهميش وإقصاء للغتهم وثقافتهم وطمس لهويتهم واستئصال لنمط عيشهم، فقد أولته الأجهزة الأممية لحقوق الإنسان أهمية خاصة، وفي مقدمتها لجنة مناهضة جميع أشكال التمييز العنصري ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ اللتان أجمعتا حول تشخيص الوضع وعلى دواعي القلق وعلى مضمون التوصيات، وهو ما جرى تناوله، بكثير من التفصيل، في:

  • التقرير الذي أنجزته الخبيرة المستقلة في مجال الحقوق الثقافية في سنة 2012 بعد الزيارة، التي قامت بها للمغرب ما بين 05 و16 سبتمبر 2011، والذي خلصت فيه إلى العديد من التوصيات، تدعو من خلالها الدولة المغربية إلى الإنفاذ الفوري للفصل الخامس من الدستور القاضي بترسيم الأمازيغية، وإصلاح منظومة التعليم بما يضمن استخدام الأمازيغية في جميع المجالات، والعمل على تنقيح مادة التاريخ والكتب المدرسية؛ تماشيا مع يزخر به المغرب من تعدد لغوي وثقافي، وبما يعزز المهارات اللغوية للموظفين في مختلف الإدارات، وفي صفوف القضاة والمحامين لتسهيل عملية الولوج إلى الخدمات العمومية؛ كما دعت إلى تقديم الدعم للفنانين الأمازيغ وتشجيع الانتاجات المسرحية والتثقيف والتنشيط عبر وسائل الاعلام، وغيرها من التوصيات التي تدعو الى الدولة المغربية إلى رفع التهميش والاقصاء والميز الذي يطال اللغة والثقافة الأمازيغيتين؛
  • التقرير الصادر عن المقررة المعنية “بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب”، عقب زيارتها للمغرب، ما بين 13 و21 ديسمبر 2018، والمعتمد من قبل مجلس حقوق الإنسان في جلسته 41 المنعقدة ما بين 24 يونيو و12 يوليوز 2019؛ والذي بالإضافة إلى ما خصصه لمعاناة المهاجرين من دول جنوب الصحراء ومعتنقي الديانات غير الإسلامية، ومنهم المسيحيون، فإنه أعاد التذكير بالوضع التمييزي والاقصائي الذي يعاني منه الأمازيغ، والمتمثل في التأخير الحاصل في تفعيل الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من دستور 2011، المتعلقة بالقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية؛ فيما أكد على تهميش سكان العالم القروي، ونزع أراضي السكان الأصليين وتهجيرهم قسرا، في بعض الحالات، بمبرر خلق مشاريع تنموية أو استغلال ثروات معدنية ومنجمية، مما جعل الفقر والهشاشة يلازمان المناطق الأمازيغية. وسجل التقرير، كذلك، إقصاء اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية وتهميشها في مجال التعليم والإعلام، ومعاناة الأمازيغ أمام العدالة لعدم إتقانهم للغة العربية المتداولة في المحاكم، الأمر الذي يمس بشروط المحاكمة العادلة؛ هذا دون اغفال ما تتعرض له الحركة الأمازيغية من منع وتضييق، وما تواجه به من قمع وتسييد للمقاربة الأمنية.

وانسجاما مع الدور الترافعي للجمعية المغربية لحقوق الانسان، واهتمامها بتتبع السياسات العمومية وتقييمها، فإن المكتب المركزي، يعلن ما يلي:

أولا: ضرورة الاستجابة للمطالب التي عبر عنها في العديد من المناسبات، والمتجلية في:

  1. التصديق على البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛
  2. تكريس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على التشريعات الوطنية بدون قيد ولا شرط؛
  3. تفعيل الفقرة الثانية من الفصل 14 من الاتفاقية الأممية لمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري، والتعجيل بتشكيل آلية وطنية لتتبع قضايا التمييز وتلقي الشكايات ذات الصلة بالموضوع؛
  4. إعمال التوصيات الصادرة من هياكل الاتفاقيات، وتلك الواردة في تقرير الخبيرة المستقلة حول وضعية التعدد الثقافي في المغرب، وفي تقرير المقررة المعنية “بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب”؛
  5. اعادة النظر في القانون التنظيمي الخاص بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، بما يقلص المراحل المعبر عنها ويضمن التنفيذ الفوري، مع انشاء آلية تتكون من ممثلي الحركة الأمازيغية والحركة الحقوقية ومختلف المؤسسات الوطنية بممثلين/ات مشهود لهم/ن بالموضوعية والاستقلالية في إبداء الرأي والمشورة، من أجل تتبع اعمال القوانين وتقييم الفعالية والنتائج؛
  6. وضع ميزانية خاصة بالنهوض بالأمازيغية بما يكفي ويليق لتأهيلها لترقى وتصبح لغة للتدريس وتحصيل المعارف، ولغة التداول في كل مناحي الحياة المؤسساتية والإدارية بما في ذلك تداولها كلغة للتقاضي؛
  7. إعادة النظر في كل القوانين ذات الطابع التمييزي، ومنها تلك المتعلقة بالقوانين المرتبطة بتمليك الأرض والغابات ومنابع المياه والمعادن، مع الرجوع إلى القوانين والأعراف المتبعة من طرف السكان الأصليين، بما لا يتعارض مع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان ويضمن حق الساكنة الأصلية في الاستفادة من ثرواتها المعدنية والطبيعية والبحرية، ويتيح تنمية مناطقها في كل المجالات وحماية بيئتها وصحتها وفرشتها المائية، وضمان أولوية سكانها في الشغل في كل الأوراش والمناجم الواقعة فوق أو تحت أراضيها؛
  8. تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة الخاصة بجبر الضرر الجماعي للمناطق المشمولة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها منطقة الريف والأطلس المتوسط وكل المناطق الواردة في البرنامج ذو الصلة؛
  9. دعوة السلطات العمومية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات استعجالية لتقديم المساعدات الضرورية لسكان البادية للحد من أثار الجفاف ومخلفات الجائحة…؛

ثانيا: قلقه إزاء عدم وفاء السلطات العمومية بالتزاماتها الأممية ذات الصلة، ورفضه سياسة الترويج لريادة المغرب في مجال حقوق الإنسان، ودعوته للتخلي عن سياسة التماطل والتسويق الإعلامي، لما لا يتطابق مع الاجراءات العملية الكفيلة بالنهوض وحماية الحقوق اللغوية والثقافية على أرض الواقع؛

ثالثا: رفضه للطريقة التي تم بها تمرير القانون رقم 13/113 الخاص ب “الترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية”، والقوانين رقم 17.62 الخاص بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، ورقم 17.63 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، ورقم 17.64 الخاص بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري؛ من حيث أنها استبعدت المعنيين من كل مشاورة أو استشارة، وتروم جعل وزارة الداخلية تتحكم في القرارات ذات الصلة بالموضوع…؛

رابعا: ادانته للسياسات التي تقوم على استباحة الأراضي، بالعديد من مناطق المغرب، من طرف بعض اللوبيات الخليجية، التي تقوم باستغلالها خارج الضوابط القانونية والأعراف الخاصة بالسكان الأصليين، وخاصة فيما يرتبط بأنشطة القنص العشوائي والرعي الجائر وإنشاء محميات خاصة؛

خامسا: تنديده بسياسة الاحسان والترويض على “التسول”، التي تنهجها السلطات العمومية في معالجة قضايا الفقر والهشاشة، عوض اللجوء إلى وضع برامج تنموية لفك العزلة عن أهل البادية عامة والمناطق الجبلية خاصة، وجعل حد للمآسي المتكررة التي يعيشونها؛ من جراء التقلبات الطبيعية، وما تخلفه من وفيات وسط الأطفال والنساء، وضياع للممتلكات، وهلاك للماشية واتلاف للمحاصيل الزراعية؛

وفي الأخير، فإن المكتب المركزي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يغتنم هذه المناسبة، التي تتزامن والذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير واليوم الدولي للعدالة الاجتماعية الذي يصادف 20 فبراير من كل سنة، ليجدد دعوته للحركة الأمازيغية والحركة الحقوقية عامة، ولكل القوى الحية بالبلاد، للعمل الوحدوي والمشترك من أجل النهوض بحقوق الإنسان ببلادنا، والقطع النهائي مع نهج السلطات العمومية المعتمد على التسويف والتماطل والتمييز، والعمل سويا على رد الاعتبار للثقافة واللغة والهوية الأمازيغية و التصدي لكل السياسات التي ترهن حاضر و مستقبل بلادنا للقوى الاستعمارية الجديدة منها و القديمة.
المكتب المركزي
بتاريخ 21 فبراير 2021.

قد يعجبك ايضا

اترك رد