حواضر سوس: الدلالة اللغوية للأسماء وذاكرة الأمكنة(2) حاضرتي تزنيت وتارودانت ذ: محمد بادرة.

0 667


تزنيت غموض في التأسيس و تعدد في التفسير
في راي المؤرخين من الصعوبة بمكان تحديد تاريخ محدد لبداية الاستقرار ببسيط ازغار(تزنيت)، و(الازغار) هو مصطلح امازيغي معناه السهل او المنبسط، والكلمة تطلق عموما على كل سهل يوفر سبل العيش حيث الاراضي الصالحة للزراعة ومراعي الماشية والمجاري المائية حتى تكون حافزا على الاستقرار، و في كتابات بعض الباحثين من امثال اميل لا ووست يرى انها(ازغار) تدل على الوادي، وعلى منطقة منبسطة تتخللها هضاب اكثر من دلالاتها على السهل، ولقد اطلق هذا الاسم على كثير من الاماكن في سهل سوس والمناطق المنبسطة لأسفل الاطلس الكبير وحتى الصغير لذا فبداية الاستقرار في هذه المنطقة شكل (ازغار) اطارا لتنامي هجرات بشرية لكن يصعب تحديد تاريخ محدد لبداية تجمع “ايت تزنيت” لان هذا الاسم لم يذكر في المصادر التاريخية القديمة وحتى الرحالة حسن الوزان لم يذكرها في وصفه لحواضر وقرى سوس مع انه ورد اسم تزنيت بعد ذكر الشريف ابو عبد الله محمد القائم حديثه عن بداية الدولة السعدية حين قال ( اصبح الشريف يلقب بأمير حاحا، ففتح تزنيت وطاب له المقام حينا من الدهر، وقد جعلها بمثابة عاصمة اقليمية، وقاعدة عسكرية تنطلق منها الهجمات على اسفي وعلى قبائل عبدة وافريقيا) وهي (تقع وسط –ازغار- وتمر بها القوافل التي تربط بين شمال المغرب وجنوبه الا انها تتأثر بالظروف العامة)
في عهد السلطان الحسن الاول رد لها هيبتها وجعلها مركزا مخزنيا ثم امر ببناء سورها الحالي ما بين 1300و1302 كما ظهرت فيها الحركة الجهادية بزعامة الشيخ احمد الهيبة 1330 – 1912 تم صارت منطقة مخزنية لربط جنوب المغرب وشماله بعد الاستقلال
والروايات المتداولة بين الناس وحتى التي دونها بعض الباحثين والدارسين الكولونياليين عن لحظة التأسيس يطغى عليها الطابع الحكائي والقصصي ولا تمت بصلة الى السرد التاريخي او الوقائع التاريخية الموثوقة، فإرجاع اصل التسمية الى شخصية لا نعرف ان كانت حقيقية او اسطورية جعل الروايات الشفهية تتوالد وتتناسل بنفحة اسطورية وكان المدينة من صنع كائنات غرائبية !!
كان يروى ان المكان الحالي لتزنيت ارتبط باسم سيدة امازيغية تحمل نفس الاسم وتسمى باسم (للافاطمة تزنيت) قيل انها قدمت من تامدولت TAMDOULT وفي روايات اخرى عرفت باسم (للا الزنيتية) نزلت بازغار في ظروف غامضة وفي فترة غامضة لا تخلو من اضطرابات وحروب (فترة الموحدين وحروبهم مع البورغواطيين).
ويروى انها اسلمت على يد عقبة بن نافع، وانها هي التي اخرجت العين الزرقاء بالمدينة، كما يروى انه بعد ان تم اكتشاف هذه العين بدأت حركية العمران تتوسع فتكونت النواة الاولى للبلدة حتى سمي ذلك المكان باسم تزنيت، وقيل عن المرأة، انها هي التي بنت اقدم مسجد هناك.
المدلول الطوبونيمي لكلمة تزنيت
تزنيت اسم امازيغي مركب من كلمتين او اسم وعلم و ان الكلمة الاصل – في عدد من المصادر- هي ( تسنيت) مؤنث (اسني)معناه الحلي او التاج بالأمازيغية تتزين به النساء التزنيتيات وهذا الافتراض ينبني على اساس شيوع هذا النوع من الحلي بالمنطقة ويرتبط بمهارات سكان طارئين عليها من جبال اداولتيت.
وفي مصادر لغوية وشفاهية اخرى تعني:
تزنيت : هي حبة كذا او نواة الثمار.
تزنيت : هي المخرف او السلة الصغيرة.
تزنيت : هي التبكم.
تاسنيت : هي الحداد ( محمد شفيق المعجم العربي الامازيغي)
تسنيت : هي الالة التي تغزل فيها مادة الصوف
تسي نيط : هي صخرة منبع العين
مدينة تزنيت وباديتها- في الذاكرة التاريخية والمجال والثقافة (منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية – اكادير)ص30
كلمة (تزنيت) يمكن ان نجد لها تفسيرات افتراضية اخرى لكنها غير سليمة علميا وتاريخيا في غياب المؤلفات والمعاجم التاريخية والمقارنة، وضعف البحث اللساني حول اللغة الامازيغية. ومن هذه الافتراضات اللغوية :
الافتراض اللغوي الاول : تزنيت باعتبار(زايها) بقيمة(الهاء)عند الطوارق اي (تهنيت)عوض (تزنيت) وهذا الافتراض اللغوي نابع من قانون تطور الحروف الصفيرية (س ز ص..)في اللغة الامازيغية الشمالية الى حروف حلقية (ه..) في اللغة الامازيغية الجنوبية، فحرف (الزاي)عند الشلوح يقابله حرف (الهاء) عند الطوارق ومثال ذلك كلمة ( اهنان) وتعني (الخيام) (مفرده اهني) وبذلك يمكن تغيير حرف الهاء الى حرف الزاي والعكس صحيح : (اهني) بمعنى (ازني) _ و(تهنيت) بمعنى (تزنيت)
الافتراض اللغوي الثاني: تزنيت باعتبار(زايها) حرفا مماثلا (للسين) اي (تسنيت)عوض (تزنيت) وظاهرة الابدال هي من الظواهر الصوتية الموجودة في جل اللغات وفي اللغة الامازيغية بالذات تتمظهر هذه الصوتية وخصوصا في الحروف التي تشترك في المخارج والصفات فالسين والزاي صوتان مشتركان في المخرج والصفة ومختلفان في سمتي الجهر والهمس ونجد في الطوبونيميا المغربية – العلم الجغرافي- كلمة (اسني) في صيغة المذكر وكلمة ( تسنيت) في صيغة المؤنث وهذه الكلمة الاخيرة قد تكون اصلا مفترضا لتزنيت. و(اسني) علم على حوض فلاحي سقوي بإحدى مناطق جبال الاطلس الكبير وتزنيت كمنطقة فلاحية معروفة بعيونها وسواقيها ونشاط ساكنتها في مجال الزراعة السقوية.
الافتراض اللغوي الثالث :وهذا الافتراض مماثل ومشابه للافتراض اللغوي الثاني من حيث الدلالة اللغوية باعتبار ان (زاي ) لفظة تزنيت مقابلة لصوت( الجيم او الكيم) اي (تزنيت) هي (تكنيت) ولقد اورد محمد شفيق في معجمه الامازيغي ولحسن نبيل في احدى دراساته كلمة (تكنيت) بمعنى الحوض الذي تجمع فيه مياه السقي .
تارودانت: حاضرة سوس وذاكرته التاريخية والثقافية
ذكر المؤرخون القدامى ان مدينة تارودانت هي من بين المدن التاريخية القديمة التي ساهمت في ربط جنوب المغرب بشماله، وربطوها كذلك بانتشار الدعوة الاسلامية في ربوع المغرب على يد عقبة بن نافع. فقد ذكر ابن الرقيق القيرواني المعروف باسم المؤرخ الافريقي في مؤلفه ( تاريخ افريقيا والمغرب) عما قام به عقبة بن نافع اثناء نشر الدعوة الاسلامية في اقليم سوس وذكر من بين ما ذكر في هذا المؤلف مدينة تارودانت، وشاركه في هذا الراي المؤرخ المغربي ابن عذارى المراكشي صاحب كتاب (البيان المغرب). اما الرحالة البغدادي ابن حوقل الذي زار المغرب الاقصى في القرن الرابع الهجري فقد دون معلومات كثيرة وهامة عما راه وتابعه في رحلته الى منطقة سوس فقال (انها تضم حواضر وقرى زاهرة بتجارتها وحقولها وذكر كلا من تارودانت واكلي). واثناء حديثة عن حدود هذا الاقليم اشار عبد الواحد المراكشي الى ان حدود سوس تمتد من ما وراء مراكش قائلا (فمراكش ليس وراءها مدينة لها ذكر وفيها حضارة الا بليدات صغار بسوس الاقصى ومنه مدينة صغيرة تسمى تارودانت وهي حاضرة سوس).
وعن جمال المدينة وغناها وثرواتها الطبيعية قال الجغرافي المغربي الشريف الادريسي في كتابه نزهة المشتاق ان هذه المدينة غنية بثرواتها الطبيعية من اشجار الفواكه والزيتون والصناعات المعدنية ومناسج الثياب ومعاصر قصب السكر.
وعن موقعها الاستراتيجي ودورها السياسي استفاض الكثير من المؤرخين عن الاحداث السياسية التي عاشتها المدينة في عهد المرابطين حين دخلها يوسف بن تاشفين (الانيس المطرب) واستفاضوا عن المعارك التي خاضها الموحدون من اجل الاستيلاء على المدينة التي التجا اليها بعض القادة والزعماء المحلين الذين يناصرون الدولة المرابطية، كما ان في عهدهم عرفت المدينة ازدهارا عمرانيا واقتصاديا وثقافيا واحتضنت الكثير من الاحداث السياسية والدينية امتلأت بذكرها كتب المؤرخين وطبقات الرجال وتراجمهم. وفي تاريخ ابن عذارى الشيء الكثير من ذلك ولعل اشهر ما يعرف الان في عهد الموحدين ضريح ابي صالح المعروف بسيدي وسيدي.
حين جاء الحكم المريني جعلوا المدينة مركز حكمهم لسوس واقاموا بها قصبة عسكرية لكن حاضرة تارودانت لم تعرف قمة اشعاعها الا في عهد محمد الشيخ المهدي السعدي الذي بنى اسوارها ومرافقها وحدائقها وعرفت بأكبر مسجد في سوس وهو المسجد الكبير الذي يدل على عظمة ذلك العصر. ولقد اراد السعديون ان تكون تارودانت مركزا ذا اهمية عسكرية واقتصادية وعلمية فيها مدخراتهم من الاسلحة والنقود ودار السكة.
اسم تارودانت : محاولة في التفسير
عن سبب تسمية المدينة هناك العديد من الروايات والحكايات التي تروى عن اسم تارودانت، منها ما يمكن ان يختزن متونا من الحكايات الامازيغية، ومنها ما يمكن ان يكون تعبيرا عن ظاهرة طبيعية او تضاريسية او مناخية او نباتية، ولذلك فحضور البعد الجغرافي في اسماء الاماكن له ارتباط بأشكال التضاريس او بالأنهار والاودية او بالأشجار والثمار، ومن بين الحكايات المشهورة المتواترة عن اصل هذا الاسم:
حكاية اولى مشهورة تروى على لسان ساكنة المدينة، تقول انه كانت هناك سيدة كانت تغسل ملابسها قرب الوادي (واد الوعر) فاذا بأبنائها انجرفوا مع تيار النهر السريع، فأخدت تصيح (تروا دان ..تروا دان…) ومعناها الحرفي ذهب الاولاد ذهب الاولاد
الحكاية الثانية تقول انه بينما كان احد الرعاة يراقب شاة لتضع حملها اختفى القطيع عن الانظار …تم انتفض من مكانه واخذ يصيح (اترو دانت ترو دانت ) ولدت الشاة وذهب القطيع.
اما في اطار المقاربة اللغوية الانتروبولوجية لأسماء الاماكن والمناطق الجغرافية فقد استحضر الاستاذ محمد حنداين فرضيتين تبدوان سليمتين افتراضيا ولغويا للفظة تارودانت وهاتين الفرضيتين وردت بكثرة في العديد من الدراسات الانتروبولوجية لكنهما تبقيان مؤقتين في انتظار ظهور مستجدات يأتي بها البحث العلمي والتاريخي.
الافتراض اللغوي الاول ان تارودانت اسم محرف عن اسم ( تاغودانت ) وهو نوع من التين باللغة الامازيغية في اللسان الريفي، ويسمى بتشلحيت ( تالغودانت) واذا تحقق لدينا هذا الاسم فيمكن ان يصبح ( الغاء) (راء) في اللغة الامازيغية او العكس.
ونجد قريبا من تارودانت في الاطلس الكبير منطقة (ايداوزداغ) والتي تحولت الى (ايداو زدار) وتعني اهل المنطقة السفلى مما يؤكد امكانية حدوث هذا التحوير في اسم تارودانت.
وبخصوص امكانية اطلاق اسم التين على هذه المنطقة فالدلائل المقارنة كثيرة في المنطقة المحيطة بتارودانت حيث نجد اسم عزيب في قبيلة ايت اوزكيد ويوجد (اغزر نتازرين) في قبيلة ايت سمك و(دار وزارن ) في تفنوت، وكل هذه المناطق في الاطلس الكبير قريبة من مجال تارودانت ولما كان التين من ذلك النوع الكثير الانتشار فلا يستبعد ان يكون لاسم تارودانت صلة بهذا النوع من التين.
الافتراض اللغوي الثاني وهي ان تارودانت قد(تكون لها صلة بما يسمى في المنطقة “دار ودان” وتعني بالأمازيغية (الحاجز) وبما ان المدينة محاطة بالسور فقد اطلق عليها اسم “تارودانت” وهي مؤنث ل”دارودان” وبالتالي فان اسم تارودانت قد يكون له معنى المدينة المسورة)
تارودانت – حاضرة سوس – منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية – اكادير ص -258

ذ: محمد بادرة

قد يعجبك ايضا

اترك رد