خواطر رمضانية “أم كلثوم بين الفن الجميل ومزاج الحشيش والهزيمة”. “بقلم أبو أمين”.

0 308

بين أم كلثوم سيدة الطرب العربي الراقي وكوكب الشرق الشامخ واسطورة الفن العربي وبين أم كلثوم التي شغلت الأمة عن قضاياها المصيرية والأساسية في التحرر ومقاومة إحتلال الأرض.

بين أم كلثوم التي وحدت الأمة في التذوق وتشنيف الأسماع وتطبيعها مع اللحن الجميل والكلمات الراقية والصور الفنية العاطفية والوطنية على امتداد أكثر من نصف قرن من الزمن ولا زالت الأجيال تتغنى ب”الأطلال وسلوا قلبي وقصة الأمس وفكروني وفات الميعاد” وغيرها من قصائد عيون الشعر العربي لابي فراس الحمداني واحمد شوقي وحافظ ابراهيم وغيرهم من كبار شعراء العصر الحديث كأحمد رامي وبيرم التونسي سواء باللغة الفصحي أو بالعامية.
بين أم كلثوم الإستجداء والإسترزاق والنفاق حين مدحت وغنت لنظامين متباينين في مصر: عهد الملك فاروق وعهد الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر ومحمد نجيب وعبد الحكيم عامر لتصور وكأنها تغني لكل من يدفع أو تطبق المثل المغربي “الله ينصر لي غلب “.
وبين أم كلثوم التي حظيت بإجماع الحاكمين والمحكومين على حد سواء لأن الفن الراقي الجميل يمكن أن يتذوقه فاروق وقابوس وجمال عبد الناصر والقذافي رغم انتمائاتهم المتباينة زمنيا وفكريا ،ولأنها اقتحمت قلوب البسطاء والفقراء والأغنياء والميسورين بسبب وقارها واحترامها ورقي غنائها ومشاركتها الأمة في أفراحها وأتراحها وأزماتها في قصائدها الوطنية .

بين ام كلثوم التي تحدث الكثير بأن صوتها كان وراء هزيمة العرب امام اسرائيل، لأن أغانيها كانت تجهض المد الثوري، وأنها أي أغانيها كانت تتماشى والمزاج المدخن بالكحول والحشيش بل تحدث كثيرون أنها كانت تنشط المزاج بالحشيش وأن منديلها الأبيض الذي كانت تحمله أثناء أداء روائعها كان يحتوي على ما تيسر من مادة الحشيش؟
وهكذا في جملة واحدة أصبحت المخدرات وأم كلثوم وجهان لعملة واحدة ونسينا أن هزيمة يونيو 1967 كان من أسبابها الرئيسية الغرور بالقدرة على محو إسرائيل وترديد أكاذيب رمي إسرائيل في البحر والإنقسامات و عدم التنسيق وضعف الاستخبارات و جمع المعلومات وغيرها من الأسباب البنيوية في تركيبة الأنظمة العربية والتكتيكية المتعلقة بساحة المعركة.
هذه التباينات جعلتني أطرح السؤال :
هل إم كلثوم اجتمعت فيها نفسية الإنسان العربي في تناقضاته المختلفة في الطموح والإنكسار ،في العقل والوجدان ،في الحرب والسلم ، في الإنتصار والهزيمة ؟
ألا تبدو أم كلثوم في زخم آلة الحرب والثورة والهيجان الثوري و العدوان الثلاثي وهزيمة الحرب وما خلفته من ضحايا البشر والشجر والحجر، حيث تلاشى الإنسان واضمحل وأصبح مجرد كومة يختلط مع أكوام أشياء أخرى تافهة تطحنه آلة الحرب والدمار، ألا تبدو بشكل غير مباشر رجوعا إلى الوجدان والفطرة والطبيعة الإنسانية والعاطفة وما يتجسد فيها من حب وخير وخيال ووجدان؟
ألا يمكن اعتبار أم كلثوم ظاهرة من ظواهر العصر العربي الحديث وإلياذة العرب في زمن القهر والحرب والتطرف والتخلف؟
ألا تجسد أم كلثوم رواية الأديب الروسي”ليو تولستوي” ” الحرب والسلام” وهي التي أرخت بأسلوب سردي أدبي رائع للحرب الفرنسية الروسية أثناء الغزو الفرنسي بقيادة نابليون لروسيا ؛ حيث توغلت في نفسية الإنسان الذي خربته الحرب كما خربه الظلم والقهر والإستغلال ؟
ما منحتني أم كلثوم في أوقات شجوني وأحزاني فيما مضى من تنفيس وملأتني بالفرحة والبهجة، جعلني أعيد فنها وطربها في مقر عملي الحر كلما سنحت الظروف لذلك، حتى غدا أحد أصدقائي يسمي الزقاق الذي يتواجد به عملي بشارع الطرب ويردد على مسامعي كلما غابت أم كلثوم عنه بشارع الظلام.
أم كلثوم نقشت مجد الأغنية والموسيقى العربية .
أما الأبطال الثوريون الأشاوس ومن على شاكلتهم فقد استغلوا كوكب الشرق و كاريزماها لإستمالة شعوبهم لأطروحاتهم الفارغة فراغ البالون إلا من الهواء وبعد فشلهم وانهزامهم اختزلوا أم كلثوم في إجهاض الثورة وإرجاع سبب كل الهزائم إلى أغانيها ،في الوقت الذي لم يمنحونا هم سوى الإنقلابات والقمع والدم والتخوين والمعتقلات والتعذيب .
بهذا المنطق فحتى هزائمنا وخسائرنا في مبارياتنا الرياضية و في معاركنا السياسية وامتحاناتنا الدراسية والأكاديمية لابد أن تكون أسبابها أغاني أم كلثوم!!!

قد يعجبك ايضا

اترك رد