“فبلغن نداماي أن لا تلاقيا “.

0 390

بقلم “أبو أمين” بيان مراكش

موضوع هذا المقال حول وفاة زمرة من أصدقائنا الذين شاركنا معهم الحلو والمر،وعشنا معهم السراء والضراء .
هي الموت التي تفرق بين الأحباب وغيرهم ممن كنا نعرفهم ويعرفوننا ،نتفق معهم أونختلف معهم في الأفكار والمواقف. لكن الموت جعلتنا نعيد وضع وترتيب أوراقنا في هذه الحياة الزائلة.
هنا تتمظهر الأبعاد الدينية والثقافية والإجتماعية لفلسفة وظاهرة الموت في بعدها الفردي والجماعي، و تلقي بثقلها في طرح الأسئلة الملحة عن الموت وما بعد الموت بغض النظر عن الإنتماءات العرقية والدينية والإجتماعية، وبغض النظر عن التوافقات أو الإختلافات ، التحالفات و الإرتباطات أو العداوات والخلافات .وهنا أتذكر مقولة المفكر اللغوي واللسني
رولان بارت ” إن أكثر ما أثار فتنتي طوال حياتي هو الطريقة التي يجعل بها البشر العالم معقولًا “.

“فبلغن نداماي أن لا تلاقيا ”

تذكرت هذه القصيدة التي أحفظها عن ظهر قلب في هذه الظروف التي فقدنا فيها كثيرا من الأحباب والأصدقاء والزملاء سواء أثناء الجائحة أو بعدها ،وهذه القصيدة كما يعرف بعض الأصدقاء الذين درسنا معهم أواخر ثمانينيات القرن الماضي في صف السلك الثالث من دبلوم الدراسات المعمقة مع الأساتذة الأفذاذ الدكاترة أمجد الطرابلسي وعزة حسن وجعفر الكتاني رحمة الله عليهم جميعا، تتحدث عن الموت ومعاناة ما قبل الموت للشاعر عبد يغوث بن وقاص الحارثي وهي من ضمن معلقات الشعر الجاهلي الخالدة كمعلقة النابغة الذبياني وامرؤ القيس والأعشى وعنترة بن شداد وعمرو بن كلثوم وغيرهم من شعراء العصر الجاهلي.
وقد قيل لها مُعَلَّقَاتٌ لأنها مثلُ العقود النفيسة تَعْلَقُ بالأذهان. ويقال أن هذه القصائد كانت تكتب بماء الذهب وتعلق على أستار الْكَعْبَةِ قبل مجيء الْإِسْلَامِ.
وردت القصيدة في كثير من أمهات كتب الأخبار والأدب ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وتتضمن إضافة إلى الرثاء أغراض أخرى كالحرب والشجاعة و الغزل والخمر .
قال عبد يغوث بن وقاص الحارثي هذه القصيدة وهو أسير يَشعر بالذلِّ بعد أن كان سيد قومه وفارسهم، وهو ينتظر الموتَ؛ ومن هنا قال الجاحظ في كتابه البيان والتبيين

• “وليس في الأرض أعجب مِن طرفة بن العبد وعبد يغوث؛ وذلك أنَّا إذا قِسنا جودةَ أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما لم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمن والرفاهية”.”

تأمل الحياة قبل الموت لدى هذا الشاعر الفذ، الذي عاش قبل ألفين سنة من عصرنا، أثمر تحفة أدبية خالدة لخصت فلسفة الموت لدى الإنسان العربي القديم بتعقيداتها وتوغلاتها الأنطولوجية ليتأكد لديه نهاية أن هذا الوجود وهذه الحياة لا تعدوان أن يكون بنيانهما هش وأن مصيرهما في النهاية هو الفناء والعدم.

القصيدة:

ألا لا تلوماني كفى اللَّومَ ما بيا 

وما لكما في اللَّوم خيرٌ ولا لِيا 

ألم تعلما أنَّ الملامةَ نفعُها 

قليلٌ، وما لومي أخي مِن شِماليا 

فيا راكبًا إمَّا عرضتَ فبلِّغنْ 

نَدامايَ من نَجْرانَ أنْ لا تلاقِيا 

أبا كربٍ والأيهمَينِ كليهِما 

وقَيْسًا بأعلى حضرموتَ اليَمانيا 

جزى اللهُ قومي بالكُلابِ ملامةً 

صريحَهمُ والآخرين المَواليا 

ولو شئتُ نجَّتني مِن الخيل نَهْدَةٌ 

ترى خلفَها الحُوَّ الجيادَ تَواليا 

ولكنني أحمي ذِمارَ أبيكُمُ 

وكانَ الرماحُ يختَطِفْنَ المُحاميا 

أقول وقد شَدُّوا لساني بنِسعةٍ 

أمعشرَ تَيْمٍ أطلِقوا عن لِسانيا 

أمعشر تَيمٍ قد ملكتمْ فأسجِحوا 

فإنَّ أخاكم لم يكن مِن بَوائيا 

فإن تقتُلوني تقتُلوا بيَ سيدًا 

وإن تُطْلِقوني تَحْربُوني بماليا 

أحقًّا عبادَ اللهِ أنْ لستُ سامعًا 

نشيدَ الرِّعاءِ المُعْزِبينَ المَتاليا 

وتضحكُ منِّي شيخةٌ عبشميَّةٌ 

كأنْ لم تَرَى قلبي أسيرًا يَمانيا 

وظلَّ نِساء الحيِّ حوليَ رُكَّدًا 

يُراوِدْنَ منِّي ما تُريد نِسائيا 

وقد عَلمَتْ عرسي مُلَيْكَةُ أنني 

أنا الليثُ مَعْدُوًّا عليَّ وَعاديا 

وقد كنتُ نَحَّار الجَزور ومُعمِل ال 

مَطِيِّ، وأمضي حيثُ لا حيَّ ماضيا 

وأنحَرُ للشَّرب الكرام مَطِيَّتي 

وأصدعُ بين القَينَتَيْنِ رِدائيا 

وكنتُ إذا ما الخيلُ شَمَّصها القنا 

لَبيقًا بتصريف القناةِ بَنَانيا 

وعاديةٍ سومَ الجراد وزعتُها 

بكفِّي، وقد أنْحَوا إليَّ العَواليا 

كأنِّيَ لم أركب جوادًا ولم أقلْ 

لخيليَ: كرِّي، نفِّسي عن رجاليا 

ولم أسبأ الزَّقَّ الرَّويَّ، ولم أقل 

لأيسارِ صدق: أعظِموا ضوءَ ناريا

قد يعجبك ايضا

اترك رد