في تركيا.. رمضان سلطان أشهر السنة

0 535

على غرار كل الشعوب المسلمة في العالم، يحظى شهر رمضان الكريم بمكانة خاصة لدى الأتراك الذين يصفونه ب”سلطان أشهر السنة”، إذ يبدأ الاستعداد لاستقباله بطقوس خاصة مند منتصف شهر رجب أو ما يطلق عليها ب”ليلة الرغائب”.

واحتفاء بقدوم هذا الشهر الفضيل، تفتح المساجد في تركيا أبوابها لاستقبال أعداد غفيرة من المصلين من مختلف الأعمار والجنسيات، وقد اكتست حلة متفردة تجعلها مختلفة عن باقي أشهر السنة، حيث تنار مصابيح “المحيا”، وهي لوحات بصرية روحانية تعلق ما بين مآذن المساجد العثمانية، خلال المناسبات الدينية.

وبهدف الحفاظ على موروث عثماني يعود ل450 سنة، وقبيل قدوم الشهر الفضيل، يتفنن حرفيو “المحيا” الأتراك في إبداع لوحات فنية رائعة تفوح بعطر روحاني متفرد، مرصعة بآية قرآنية أو جملة ترحيب بقدوم سلطان الاشهر من قبيل “مرحبا رمضان”.

وحسب مؤرخين أتراك، تعلق “المحيا”، وهي لافتات ضوئية خلال شهر رمضان والأعياد والمناسبات الدينية الإسلامية، بين مئذنتي المساجد الكبيرة في تركيا، تحمل عبارات دينية تتغير على مدار الشهر الفضيل أو المناسبة، ويرجع تاريخها إلى العهد العثماني.

وعلى غرار باقي المدن، شهدت ساحات ومساجد مدينة إسطنبول، التي تشهد على تاريخ إسلامي مجيد، وأبرزها السلطان أيوب، والسلطان أحمد، والسليمانية، والفاتح، وتشامليجا الكبير ازدحاما كبيرا منذ صلاة آخر عشاء في شهر شعبان أي مساء يوم الأحد الماضي، لأداء أولى صلاة التراويح احتفاء بقدوم الشهر الكريم.

صلاة التراويح بمساجد تركيا تتميز بكونها تؤدى كلية في 22 ركعة بعد صلاة العشاء بوتيرة أربع ركعات، تتخللها تحية وسطى، لتصدح أصوات المصلين بين الترويحة والأخرى بأعذب الصلوات على الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لتختتم بترتيل جماعي للباقيات الصالحات وجوامع الدعاء.

وبهذه المناسبة، أطلقت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا رابطا إلكترونيا لموقع “رمضان”، يقدم المعلومات حول المساجد التي تقدم موائد الإفطار المجانية، والتي ستحي ليلة القدر، والتي تقيم حلقات للقرآن والتي تختم القرآن في صلاة التراويح، وأيضا المساجد السيارة المتنقلة للمناطق التي لا يوجد فيها مساجد.

وبالنظر لتميزها المعماري، تحتضن ساحات مساجد تركيا معارض وأنشطة وفعاليات جماعية، يبقى أبرزها إطلاق المدفع الرمضاني، الذي يتشبث به الأتراك منذ الدولة العثمانية، وترتيل الابتهالات والأدعية، وإقامة موائد الإفطار الجماعي، وقراءة القرآن الكريم في آن واحد، إضافة إلى تقديم الثمور والحلويات والمشروبات الخاصة بهذا الشهر هدية من بلديات المدن للمصلين.

لكل مسجد تاريخي بتركيا ما يميزه، أما جامع “الخرقة الشريفة” بإسطنبول، فتنيره بردة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الموجودة بداخله، والتي أهداها للتابعي أويس القرني، وأخذ اسمه منها.

ووفق للتابعي، فقد أوصى النبي بإعطاء بردته إلى أويس القرني خلال رحلته بليلة الإسراء والمعراج، موضحا أن البردة انتقلت بعدها لشقيقه، ومنذ ذلك الحين وصلت إلى اليوم الحاضر عن طريق 59 جيلا من أحفاد التابعي أويس القرني.

وكما جرت العادة في المسجد، يسمح للزوار اعتبارا من الجمعة الأولى من كل رمضان، بزيارة البردة الشريفة، حتى أواخر الشهر الفضيل.

شهر رمضان هو شهر القرآن، ويتميز في تركيا بتلاوة كتاب الله بشكل جماعي وفق طريقة “المقابلة”.

و”المقابلة” هي موروث عثماني، يتمثل في تناوب قراء حباهم الله بأصوات عذبة للورد القرآني اليومي بالمساجد في نهار رمضان، يجعل الوافدين على بيوت الله يشنفون أسماعهم بقراءات تضفي على هذا الشهر مزيدا من الروحانية والتقرب من الخالق، وبذلك يختم صاحب التلاوة وكل من يستمع إليه القرآن الكريم كاملا مع حلول نهاية الشهر الفضيل.

وفي حديث صحفي، أكد البروفسور الدكتور كاشيت حمدي أوقور، عضو الهيئة العليا للشؤون الدينية لدى رئاسة الشؤون الدينية التركية، على رمزية العبادات التي يختص بها شهر رمضان المبارك، من صيام، وإقامة صلاة التراويح، وقراءة القرآن وإنفاق.

وقال أوقور إن شهر رمضان هو توليفة تجمع بين أجواء العبادات المادية والمعنوية، مبينا بأنه فرصة في الوقت ذاته لإقبال المسلمين على العبادات والارتقاء الروحي، مضيفا أن عبادة الصيام موجودة في كافة الأديان والعقائد، لكونها وسيلة لمراقبة الإنسان لنفسه والتقرب الى الله.

وسجل أن مثل هذه العبادات تساهم في الارتقاء بالإنسان إلى المراتب المعنوية العليا، وتدفعه لاغتنام الفرص من أجل محاسبة نفسه، ملاحظا “علينا أن نؤكد على نقطة هامة في ما يتعلق بالصيام، وهي أن الأشخاص ينشغلون بالتفاصيل الجزئية حوله، ويتجاهلون جوانب هامة، فعلى سبيل المثال، يجب أن يؤثر الصيام بشكل إيجابي على أخلاق الصائم وتصرفاته، وأن يحول بينه وبين ارتكاب المعاصي أو الخطايا”.

وفي ما يخص عبادة الإنفاق سواء عبر الزكاة أو الصدقة، قال أوقور إن رئاسة الشؤون الدينية أطلقت حملة للإنفاق خلال شهر رمضان 2019، تحت شعار “رمضان والإنفاق”، بهدف إيصال المساعدات والصدقة إلى الفقراء والمحتاجين حول العالم.

موائد الرحمن تحضر، أيضا، خلال هذا الشهر الكريم في المساجد والساحات والأماكن العامة، لاستقبال الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل.

قد يعجبك ايضا

اترك رد