قصة للأطفال: الإبرة الذهبية المكتئبة عبد اللطيف النيلة.

0 618



 بدأت الإبرة الذهبية تشعر بالحزن بعد أن مرت شهور على مقامها في غرفة سارة. فقد لاحظت أنها الأصغر حجما من بين أدوات سارة، بل هي الأكثر هزالا ونحافة. وكثيرا ما حدثت نفسها قائلة: ليتني كنت بحجم المشط أو المرآة أو معجون الأسنان أو حتى قلم الحبر. وآلمها أن ترى سارة تتطلع إلى وجهها في المرآة، قبل أن تغادر البيت إلى المدرسة، وتمشط شعرها، وتصلح هندامها. وكم غارت من الفرشاة ومعجون الأسنان وهي ترى سارة تغسل أسنانها بعد كل وجبة. وتساءلت بأسى لما رأت سارة تعتمد كثيرا على قلم الحبر لإنجاز تمارينها وفروضها:
 - ما دوري أنا في هذا البيت؟ ألست مجرد شيء زائد؟
 كانت غرفة سارة تغص بأدوات كثيرة، بعضها للنظافة والزينة، وبعضها للدراسة، وبعضها للرياضة. نعم، كانت سارة تملك رقعة شطرنج، ومزلاجا للتزحلق، وكيمونو لممارسة الجيدو. 
 توالت الأيام على الإبرة الذهبية وهي مستقرة داخل زجاجة شفافة ترى سارة تستعمل سائر الأدوات ما عداها. كانت صغيرة ونحيفة ولا مرئية، لم تكن سارة تلامسها بأناملها الرقيقة، لم تحتج إليها ولو مرة واحدة مذ حلت بغرفتها، ولم تلق عليها حتى نظرة عابرة. غمرت الكآبة قلب الإبرة الذهبية، ولم تفتأ تردد في قرار نفسها: 
 - أنا تافهة تافهة تافهة. 
 وذات يوم، سمعت الإبرة الذهبية سارة تقول لوالدتها:
 - أمي، بعد نيلي شهادة الباكالوريا أفكر في دراسة الخياطة. 
 باركت الوالدة اختيار ابنتها، فاستبشرت الإبرة الذهبية خيرا. وما إن حل الموسم الدراسي الجديد حتى راحت سارة تذهب صباح مساء إلى معهد الخياطة، وتعود إلى البيت لتحدث والدتها عن أبجديات الخياطة، مطلعة إياها على ما خطته في دفترها ذي القطع الكبير من رسومات لأشكال مختلفة من الملابس. زاد شغفها بالخياطة وهي تحاول أن تقص الورق لتفصل قميصا أو بنطالا أو جلبابا. وخاب ظن الإبرة الذهبية حين اقتنت سارة أضمومة من الإبر العادية وأخذت تخيط ما فصلت من أثواب. وبقدر ما كانت سارة ترقص فرحا عند انتهائها من إنجاز قميص أو بنطال أو تنورة، كانت الإبرة الذهبية تشعر بالغبن والإحباط. 
 وعبثا ترقبت الإبرة التفاتة كريمة من سارة. انكفأت على نفسها غارقة في مستنقع الكآبة، نادبة حظها التعس، ولم تعد تطيق أن تفتح عينيها لترى ما يجري من حولها. لكنها فوجئت ذات ليلة بأنامل سارة تلتقطها من الزجاجة الشفافة، وتشرع في تأملها بعيون حالمة، قبل أن تطبع عليها قبلة وتعيدها إلى مكانها. 
 في الصباح الباكر، ركبت سارة الإبرة الذهبية في آلة الخياطة، وانكبت على الثوب الذي بين يديها تخيطه بهمة مديرة عجلة الآلة بقدميها...
 في حفل التخرج، جلست سارة بجوار والديها في المقاعد الأمامية لقاعة فخمة بمعهد الخياطة. بعد، مشاهدة الفقرات الترفيهية من شعر وغناء ومسرح، تم الإعلان عن الفائزين في مباراة التخرج. كانت سارة تتابع النتائج فيما هي ممسكة في يدها بالعلبة الزجاجية الشفافة التي تحوي الإبرة الذهبية. وحين نودي عليها للالتحاق بالخشبة، قفزت مرتبكة من مقعدها، وصعدت الدرج إلى قلب الخشبة. هتفت مقدمة الحفل:
 - أيها الحضور الكريم، يشرفني أن أقدم لكم مصممة الأزياء الجديدة؛ سارة ذات الفستان الذهبي.
 ضجت القاعة بالتصفيق، قبل أن تضيف مقدمة الحفل:
 - سارة هي الفائزة بالجائزة الكبرى للخياطة الرفيعة. 
 تناولت مقدمة الحفل فستانا مطويا من فوق منضدة بجانبها، فردته على طول قامتها، فبدا بديعا يلتمع لونه الذهبي تحت الأضواء، ثم أردفت:
 - بهذا الفستان الباهر استحقت سارة الرتبة الأولى. 
 فنهض الحاضرون واقفين، وأيديهم تثير عاصفة من التصفيق، وتعالت هتافات تمتدح سارة. 
 عندئذ غمرت السعادة الإبرة الذهبية، ودهمها شعور بالفخر والاعتزاز. وكادت ترتمي على وجه سارة تغمرها بالقبل حين رأتها ترفع العلبة الزجاجية الشفافة عاليا، وتقول في كلمتها للحضور:
 - لم تكن لتخطر ببالي فكرة هذا الفستان الذهبي، ولم يكن بوسعي خياطته ببراعة وإتقان لولا هذه الإبرة الذهبية التي أهداني إياها أبي في عيد ميلادي.
قد يعجبك ايضا

اترك رد