محمود كينيا أيقونة الموسيقى الكناوية.

0 1٬341

الصويرة / حفيظ صادق

كانت مدينة الصويرة (وسط غرب بالمغرب)، محطة رئيسية للعبيد الذين جُلبوا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. فإيقاعات “كناوة”، نغماتها وآلاتها الموسيقية وطريقة لباس “الكناويين”، تُظهِر أن جذور هذا النوع الموسيقي ضاربة في عمق إفريقيا.

لا ينحصر الامتداد الجغرافي لـ”موسيقى العبيد” في مدينة موكادور (الصويرة)، التي تُعَدّ العاصمة الروحية للكناويين، بل توجد في مدن مغربية أخرى كمراكش وفاس والرباط، وفي بلدان تونس والجزائر ومالي، حسب تصريح الباحث حفيظ صادق لـTRT عربي.

ومن أجل إعطاء سلالتهم شرعية دينية، يضيف المتحدث، يربط كناوة أصولهم ببلال مؤذّن الرسول، الذي يعتبرونه جدهم الأكبر. ويُعتبر ضريح “سيدي بلال” الموجود بالصويرة، بمثابة المرجع الأعلى ومقام الأب الروحي للكناويون، ويخلّدون في العشرين من شهر شعبان، موسمهم السنوي في الليلة الكناوية التي تتخللها طقوس “غريبة”.

المعلم محمود كينيا الذي لقب بـ”معلم المعلمين” ولد بمدينة الصويرة سنة 1951 و توفى يوم الأحد 02/07/2015 بعد صراع مرير مع المرض . المعلم محمود أحد رموز التراث والفن الكناوي بالصويرة خاصة والمغرب عامة .كان وداع محمود الحقيقي على منصة حفل ساحة مولاي الحسن بمناسبة حفل اختتام الدورة 18 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم شهر ماي 2015.

إرتقى المنصة بجسد منهك وضامر فاجأ كل عشاقه الذين بكوه لحظتها بحرقة. أتذكر الكثيرين من عشاق الفن الكناوي وهم يرددون معه أغنية ” مولاي أحمد” بأصوات خنقها الحزن والدموع. أتذكر لوعتهم وهم يدعون له بالشفاء. أذكر آخر ضربات هجهوجه . خلعه عن كتفيه المتداعيتين وسلمه بعيون دامعة أمانة وإرثا عائليا إلى ابنه “حسام” مع قبلة الرضى. في قمة مرضه ووهنه، كان المعلم محمود شامخا رائعا وإستثنائيا في عزفه وغنائه. أمتع جمهوره إستمتع بعشقه وترجل عن سنوات نجوميته الطويلة متواضعا بسيطا كأني به يردد عبارة الصويريين الشهيرة ساعة تفرق الجمع ” الله يسمح لنا “.

المعلم محمود النغمة والندهة وهو من أهم العازفين الكناويين بالمغرب. بعد أزيد من 40 سنة من العطاء والإبداع والممارسة، ينحدر محمود كينيا من أصول افريقية . جده من أبيه ينحدر من السودان أما جده من أمه فينحدر من غانا هو كبير إخوة لازال منهم على قيد الحياة زايدة والمختار، فيما توفى الله برحمته كلا من اجميعة ، المعلم زيتون ثم المعلم عبد الله. يتفرد محمود في غنائه بجمعه بين الأسلوب الإفريقي والوطني والمحلي الصويري. فأسلوب عائلة كينيا هو السوداني باعتباره خصوصية وإرثا عائليا قادما من الجد عن الأم “المعلم دا سامبا ” وعن الأب” المعلم بوبكر غينيا” وهو ما تعكسه سبعة مقاطع سودانية منها “يرتى دزنا يرتى”، “هيد بيني كولومبارا”،”هيهي ياجان طايي”، و “تيمارماريا”.

كما أتقن محمود الغرباوي مثل باقي المعلمين المغاربة، وبصم على أدائه بالأسلوب الصويري مجسدا في الليلية الصويرية.كما شارك رفقة العديد من الموسيقيين العالميين في مهرجانات فنية عالمية . وبرحيل محمود كينيا تكون الصويرة والمغرب قد فقدت رمزا وعملاقا إستثنائيا في الفن الكناوي الأصيل ، لينضاف غيابه إلى المعلمين الآخرين الذين رحلوا مؤخرا كالمعلم “عبد السلام البلغيثي “” والمعلم عبد الله كينيا ” و”المعلم الشريف الركراكي “و”المعلم سعيد البوركي ” وبذلك تفقد الساحة الكناوية تباعاً أبرز الممارسين المؤسسين والمحافظين على أصالة وقواعد هذا الفن .

ومن أقوال وحكم المعلم “بوبكر كينيا ” أب المعلم محمود حيث قال :” نحن لانموت كما يموت الآخرون أنظر إلى تلك الآلة أي” آلة الكنبري” في هذا البيت البئيس أصنعها بأشياء بئيسة وعلى هذا الحصير أعزف عليها فيسيل الدم من أوثارها .ثم أراك وأنت في مثل هده المناسبة فأبيعها إليك بثمن هزيل وأعلمك العزف عليها . فأغيب حينئد ثم أموت إلا أننى أجبرك على أن تحيينى من خلالها … ليست موسيقى كناوة مجرد صدى لقدامى عبيد إفريقيا ، بل حركة روحانية مليئة بالتصوف المريح وجدت في مدينة النوارس ملجأ لأكبر فناني وكتاب العالم كما هو حال “جيمي هاندركس” و”بول بولز ” و”ويليام بوروغ”، وكذا الرسام والمؤلف النرويجي توربغون إينغر. مضيفان بأن اجتماع كل هذه الخصائص في مدينة إسمها الصويرة لا يمكن إلا أن يدفع وبقوة لشد الرحال إليها.

قد يعجبك ايضا

اترك رد