مسرحية “ثاخشبت” آخر إنتاجات فرقة أمزيان بالناظور

0 919

في إطار جولتها المسرحية، نظمت ”فرقة أمزيان للمسرح” بتنسيق مع وزارة الثقافة والشباب والرياضة، قطاع الثقافة بجهة الشرق، عرضها ما قبل الأول لمسرحية ”ثاخشبت”، يومه الأحد 15 دجنبر بالمركب الثقافي بالناطور، المسرحية من تأليف الأستاذ عبد الواحد هنو، وإخراج خالد جنبي، وتشخيص كل من الفنان المقتدر بنعيسى المستيري، ورشيد أمعطوك، وعبد الله أنس والمرافقة الموسيقية للفنان نوري حميدي، المحافظة العامة: محمد الأمين والقاضي، مساعد المحافظ: عبد العزيز المحيوتي، التوثيق: إلياس دودوحي، إدارة الإنتاج والتواصل: محمد أدرغال، العلاقات العامة: محمد لعكوبي، الإعلام: محمد بومكوسي .

تدور أحداث المسرحية حول راع غنم وقع في فخ، في خلاء مليء بالذئاب، استحال بعدها تحرير نفسه بنفسه، فيطب المساعدة من عابر سبيل، لكن العابر يقنعه، أنه لا حاجة لإبقائه حيا، فهو لا يستحق الحياة أصلا بعد أن فقد كل شيء حريته وماشيته، فهو الآن لا يملك شيئا، ولن يفيد البشرية في شيء. فالعابر إذن يرى أنه من الحكمة، قتل الراعي (بطرق عديدة، ذبحا، وشنقا، أو إطعامه سما قاتلا)، وذلك ليرتاح من المحن المختلفة التي يواجهها كإنسان، لكن نظرا لتوسلات الراعي، اقترح عليه عابر السبيل شيئا، وهو الاعتراف، فإن كان إنسانا طيبا، قتله، وإن هو ثبت له العكس أي أنه إنسان ارتكب أخطاء أو جرائم في حق الإنسانية، فإنه ينال حريته، ليبدأ الراعي في سرد ذنوبه وخطاياه، والتي لم يقتنع بها القاتل المنتظر، في الوقت الذي، لم ينجح الراعي في تحقيق شرط القاتل، كان لزاما على القاتل أن يستعد لعمية القتل، على حين غرة يدخل رجل على هيئة صياد لينقذ الراعي من قبضة عابر السبيل. إذ تتعارض آرائهم في إبقائه حيا، كما يريد الصياد، أو قتله ليرتاح من الدنيا، كما يشاء عابر السبيل، فيحتكمان للقوة والخصام، فيفوز عابر السبيل ليصبح القتل أمرا محسوما في حق الراعي، لكن عواء الذئاب جعل من عابر السبيل الذي ادعى القوة والجبروت كائنا خائفا، وساعيا للهروب، ليضطر بذلك، إلى مساعدة الراعي على الوقوف على رجليه، ليتكمن هو الاخر من إنقاذه، من الذئاب فهو إذن العارف بالذئاب وشئونها، لكن رغبة الراعي في الانتقام جعله يقتل عابر السبيل، فداء لما سببه له من أذى نفسي وجسدي، قبل أن يضيق الصياد أيضا ذرعا بالثقة التي منحها للراعي فأرداه قتيلا هو الاخر. ليظل الصياد متشبثا بالحياة أكثر من ذي قبل، معتبرا أنه عليه أن يعيش ليوقف كل ظالم عند حده.

في بداية العرض ثلاث شخصيات، تدخل الخشبة أو بالأحرى إلى قاعة العرض، فقد عمد المخرج إلى إشراك الجمهور في العرض، مستخدما تقنية المسرح المفتوح أو مسرح الشارع، تتأمل الشخصيات الثلاث الجمهور على أنغام موسيقى هادئة. ليبدأ العرض ببرولوغ لشخصية الصياد، وهو يسائل نفسه، ويساءل الجمهور عما يفعله، في هذا الفضاء المخيف، والعامر بالذئاب، ويبدي رغبته في الانتحار حينا، وفي التشبث بالحياة حينا اخر، ليبدأ في سرد حكاية الراعي، الذي تحول نتيجة، احتكاكه بالآخر من راغب وعاشق للحياة، إلى قاتل، فيعود الصياد إلى معانقة الحياة من جديد، بعد تأكيده أن الحياة يجب ان تعاش مهما كانت، فالحياة إذن حلوة ومرة.

المسرحية تناقش مسألة الوجودية، أي أنها تناقش الوجود الإنساني ليس فقط باعتباره ذاتا واعية، ومدركة، لما يجري حولها فحسب، بل من خلال الفعل والشعور، والأخلاق والقيم الكونية. فالمرجح إذن وعلا غرار الفلاسفة الأوروبيين، فإن القيمة الأساسية للوجود الإنساني هي الحرية، التي فقدها الراعي، أثناء وقوعه في فخ في الفيافي، والقفار. فالفرد إذن حسب مؤلف المسرحية، ويشاطره في ذلك الفيلسوف ”سورين كيركغور”، هو الوحيد المسؤول عن إيجاد معنى لحياته، فلوا أنه لم يقع يومه في هذا الفخ المشؤوم لبدا سعيدا، رفقة أغنامه التي تشكل له مصدرا لقوت يومه، فالآخر إذن لا يشكل إلا التعب والإزعاج، فالآخر إذن هو الجحيم الذي يعكر صوفتنا كل يوم كما يشير لذلك ”جون بول سارتر”.

إن البعد الأخلاقي باعتباره صفة بشرية، وقيمة كونية، هي ما تناقشه المسرحية، في بعدها الفلسفي، وما شخصية ”عابر السبيل”، التي جسدها الفنان ”عبد الله اناس” إلا صورة رمزية لقوى الشر، التي تعشعش في نفوسنا، فهذه الشخصية، المهيمنة والمسيطرة على الراعي، الذي فقد حريته حينا، جعلت منه كائنا تحت كعبها، فبعد أن أخذ طعامه وشرابه، ظل يتحكم في مصيره، بدعوى أنه وجده في الطريق العام بدون حرية، فهو إذن صار ملكا له، وبإمكانه استغلاله كما شاء، فجعل منه، مؤنسا لوحشته، ومهدأ له من الذئاب التي يعج بها المكان. فهل يمكننا القول إذن أن الإنسان سيء بطبعه؟

منذ القدم والفلاسفة، في أخذ ورد عن إن كان الإنسان، سيئا أم خيرا، فرأ فريق منهم أن الإنسان مخبول على الخير، بينما رأى الأخرون أنه ميال إلى الشر، فيشير أرسطو أن الفضائل الأخلاقية تكتسب بالتعلم، بينما يرى ‘سيكمون رويد’ أن الإنسان يولد صفحة بيضاء لا سيئا ولا شريرا، وقد أثبتت الدراسات أن الإنسان يصبح شريرا أثناء انصهاره في المجتمع. فالمسرحية إذن، تتطرق إلى مسألة الآخر في الطبيعة البشرية، فالآخر إذن يشكل، الطرف المزعج في الحياة. لكن ألسنا في حاجة للآخر دوما؟

العمل المسرحي الجديد “تاخشبت” عرض بمجموعة من القاعات بالإقليم، حيث عرض بتاريخ 15 دجنبر 2019 بالمركب الثقافي بالناظور، 16 دجنبر 2019 بالمركب السوسيو تربوي لعراصي، 17 دجنبر 2019 بالمركب السوسيو تربوي بازغنغان، ويوم 18 دجنبر 2019 بالمركب السوسيو تربوي فرخانة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد