ذ.سمير بوزيد*-
قبل فتح نقاش حول الصعوبات المتعلقة بتقديم العرائض والملتمسات وتشخيصها وتقييمها و اقتراح حلول لها
لا بد من التذكير ، بأنه سبق للوثيقة الدستورية لسنة 2011 أن تضمنت مجموعة من الفصول (139،15،14،13،12) أطرت للمشاركة المواطنة وللديمقراطية التشاركية، ورسخت أسسها ومرتكزاتها وآلياتها.
كما أسست لمنظور جديد في الإرتقاء بالمشاركة المواطنة بالمغرب عبر إقرار آليات جديدة لتدعيم مساهمة المواطنين في مراقبة السياسات العامة، كالملتمسات التشريعية، والعرائض التي تم الرهان عليها لتجويد التدبير العمومي ولتجسير الفجوة بين المواطن والدولة.
وفي نفس السياق، نصت الوثيقة على أنه :
– «تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية،في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون».الفصل 12؛
– « تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها » الفصل 13؛
– « للمواطنات والمواطنين، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع». الفصل 14؛
– «للمواطنات والمواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق». الفصل 15؛
– « تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله».الفصل 139.
وفي هذا الصدد ، تم إصدار عدة قوانين ونصوص تنظيمية للعرائض والملتمسات لتوضيح المقتضيات الدستورية طبقا للنصوص القانونية و الدلائل والمساطر من بينها على سبيل المثال لا الحصر :
– القانون التنظيمي رقم 71.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 64.14 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع؛
– القانون التنظيمي رقم 70.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 44.14 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية؛
– القانون التنظيمي رقم 44.14 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية؛
– القانون التنظيمي رقم 64.14 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع؛
– المرسوم رقم 733 .2.16 ،المتعلق بتحديد تأليف لجنة العرائض واختصاصاتها وكيفية سيرها.
– المرسوم رقم 2.18.200 الصادر في 30 من رجب 1439 (17 أبريل 2018) و المتمم للمرسوم رقم 733 .2.16….
وفي السياق نفسه، ونحن في شهر فبراير 2023 ورغم الصعوبات المتعلقة بتقديم العرائض والملتمسات التي تخص المساطر والشروط المطلوبة و الحاجة إلى المهارات الضرورية التي ينبغي أن تتوفر عليها في تدبير التواصل بين هيئات المجتمع المدني من جهة، والمؤسسات المعنية بالعرائض والملتمسات من أجل التشريع من جهة أخرى؛
فقد تم في إطار المكتسبات :
– إعداد الإطار التنظيمي المتعلق بممارسة حق تقديم العرائض إلى السلطات الحكومية؛
– تنزيل برنامج تكويني جهوي لفائدة جمعيات المجتمع المدني في مجال الديمقراطية التشاركية بمستوييه الوطني والترابي بجميع جهات المملكة، وذلك بهدف تمكين الفاعلين المدنيين من فهم واستيعاب وتملك الحقوق الدستورية وممارستها على الوجه الأمثل؛
-إصدار دلائل مبسطة باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية، وتنظيم تظاهرات وطنية ولقاءات محلية وحملات تحسيسية وتواصلية حول أهمية المشاركة المواطنة؛
-إبرام اتفاقيات شراكة مع عدد من الجمعيات في إطار طلبات عروض مشاريع الجمعيات في مجال الديمقراطية التشاركية؛
-إعداد استراتيجية جديدة، في مجال المجتمع المدني للفترة 2022-2026. تشتمل على ثلاثة محاور، انتظمت فيها برامج ومشاريع واقعية قابلة للتنفيذ وذات أثر ملموس، من بينها برنامج يستهدف النهوض بالمشاركة المواطنة عبر تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية المكملة للديمقراطية التمثيلية.
اما في إطار الاكراهات و المقترحات ،فرغم كل ما تحقق إلى حدود اليوم من مكتسبات من حيت المقاربة و التنفيذ، لا مناص من التفكير، في التغلب على الصعوبات المسطرية أو المتعلقة بالمسارات أو التواصل أو المآلات، لتبسيط الولوج إلى العرائض والملتمسات.
عبر توسيع قاعدة التشاور وتنظيم برامج للتكوين وأوراش تطبيقية من أجل تقوية قدرات المجتمع المدني حتى يعكس دينامية وقوة وامتدادات المجتمع المدني المغربي.
و الحاجة الملحة لتمكين الفاعلين المدنيين من آليات المشاركة المدنية من خلال تقوية قدراتهم وتبسيط إجراءات ومساطر الولوج الى ممارسة هذه الحقوق، و إلى تجاوز مجموعة من الاختلالات التي تعتري الحياة الجمعوية بالمغرب. وتفعيل، وتعزيز دور المجتمع المدني كشريك في إعداد وبلورة السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها .
و كذا التغلب على أوجه قصور الذي يكاد يفرغ المشاركة المواطنة من مضمونها، بدل تدعيمها وتحويلها إلى ثقافة موجهة للفعل العمومي في اتجاه تحسينه وزيادة منسوب الثقة في المؤسسات الرسمية .
و ختاما لا شك ان الدينامية الإصلاحية الكبرى الناجمة عن تنفيذ مقتضيات الدستور الآنفة الذكر افضت إلى سن مجموعة من الفصول المؤطرة للمشاركة المواطنة وللديمقراطية التشاركية، و إلى تعزيز دور المجتمع المدني كشريك في إعداد وبلورة السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها،
و في إطار التفاعل مع هذه الديناميات ، فقد فتحت هذه الاصلاحات ، أفقا جديدا أمام الدولة والمجتمع لتوطيد دعائم الديمقراطية، ودعائم دولة الحق والقانون، وترسيخ أسس الديمقراطية التشاركية ومرتكزاتها وآلياتها، من منطلق أن هذا المفهوم يعتبر حلقة من حلقات مسلسل بناء الديمقراطية بالمغرب، يهدف إلى خلق تكامل وظيفي مع مستويات الديمقراطيةالتمثيلية الوطنية والمحلية.
*سمير بوزيد فاعل جمعوي حقوقي مهتم بقضايا حماية المال العام و محاربة الفساد