” ٱستشراء ڤيروس الفساد “.

0 270

بقلم : ذ. هشام الدكاني

الفساد تسلسل هرمي ، يتدرج من مواطن لآخر كل حسب مركزه وموضعه ، كل منهم يمارس الفساد على مستوى المنصب والمحيط الذي يوجد فيه ، وبدرجات متفاوتة.
مثلا ، في وطننا هذا ، لم تكن هناك رغبة حقيقة وإرادة قوية في محاربة الفساد ، فٱقتصرت مكافحته على القوانين والهيئات الشكلية فقط ، والتي ٱستنزفت المال العام ، ولم تثمر نتائجا ملموسة ، لهذا ٱتسعت دائرته وتغلل أكثر فأكثر في مفاصل المؤسسات والمعاملات ، وأصبح القضاء عليه في عقيدة الشعوب تحديا صعبا وحلما قوميا بعيد المنال على مستوى المدى القصير على الأقل ، لكن ما يجهله أو يتجاهله الكثيرون ، أن الفساد مؤامرة ممنهجة ، والبعض جزء لا يتجزأ منها ، وأن محاربته لا تحتاج لمعجزة كونية بل تحتاج فقط إلى تفعيل دور الضمير وٱحترام القوانين والإعتراف بوجود كيان دولة ، وسيرورة هذه المبادئ ستضمن بالضرورة سيرورة لنبذ الفساد والفاسدين.
ولعل أخطر ما يتولد عن ظاهرة الفساد ، هو ذلك الخلل الذي يصيب أخلاقيات البشر وقيم المجتمع ، مما يؤدي إلى ذيوع حالة ذهنية لدى الأفراد تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرره بٱستمراره ، بحيث يصبح مقبولا ومألوفا ، بل ومرغوبا فيه!
غير أن الأخطر من ذلك ، هو أن تكون هناك بيئة ملائمة تحضن الفساد وتحمي الفاسدين ، بمعنى أن تلك البيئة غالبا ما تطلق العنان للفساد كي يستشري ، دون متابعة الفاسدين وكبح جماحهم ، مهيأة بذلك له كل فرص النمو والتوسع للهيمنة والإنتشار…
فالتنمية لا تتحقق بوجود الفساد ، فهناك إيمان بدور المجتمع المدني والتربية الوقائية الذي ثم مؤخرا (تقزيمه) ، لكن يجب أن يقابل ذلك بدور توعوي لأنه من غير المنطقي ملاحقة الفساد في ظل وجود بيئة خصبة له!
يجب سد منابعه والعمل على تعزيز الوعي من مخاطره ليصبح المجتمع أكثر قدرة على التقدم.
لقد أصبح الفساد عندنا الرئة التي تتنفس منها أغلب الطبقات السياسية ، وهو بمثابة جهاز التنفس الإصطناعي الذي يبقي هذا النظام السياسي الفاشل على قيد الحياة…
فمن دون الإتفاق على إعادة هيكلة العقول وإحياء الضمائر ، سيكون هناك تغول للفساد على الدولة والمواطن البسيط أو المعدوم…
أما الوضع السياسي بما أنتجه من طبقة سياسية ونظام سياسي فاشل ، فقد أوجد فرصا وأشكالا جديدة من الفساد ، في حين ٱقتصرت مقاربات الإصلاح إما على تلميع صورة أشخاص أو تصفية حسابات أو إرضاءا للبعض…دون وضع خطط ، ورؤية وعزم حقيقي على التنفيذ.
لأن مواجهة هذه الآفة تتطلب العكوف على فهم الظاهرة من جميع نواحيها الإقتصادية والإجتماعية والتاريخية وتفكيك دوافعها وأسبابها العميقة وتقديم حلول مرتبطة بالبيئة التي نشأ فيها الفساد وتغطية جميع أوجهه النفسية ، الإقتصادية ، الإجتماعية والإدارية وفقا لرؤية متكاملة وأهداف واقعية مضبوطة ، خاصة أن أغلب الإصلاحات المطروحة حاليا بقيت إصلاحات سطحية وٱكتفت بمعالجة العوارض دون الأسباب.
ورغم الإجماع على إدانة الفساد ، فإن حماس المواطنين في مكافحته بقي ضعيفا وٱقتصر على بعض التحركات الإحتجاجية التي لم تنجح في تعبئة جماهرية هامة وأقربها زمنا هو ما جرى في قضية بيع التذاكر التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ، وٱمتحان المحاماة وغلاء الأسعار الفاحش…واللائحة طويلة ومنهكة…! لتبقى القدرة على التعبئة الشعبية وتحويل الفضاء العام إلى مكان لفرض إصلاحات حقيقية لمجابهة الفساد أحد أهم التحديات في هذه الحرب.
ويمثل المجتمع المدني أحد المعاقل الأخيرة للصمود أمام الفساد وأكثرها قدرة على التعبئة وممارسة ضغط حقيقي في سبيل ٱتخاذ الإجراءات الفاعلة وتقييمها موضوعيا ، كما قد تشكل الإنتخابات القادمة إحدى آخر حلبات الصراع ، فالمتوقع أن يكون محور الفساد فيها أحد أهم محاور التنافس السياسي ، وستكون القدرة على الإقناع بجدية العزم في الفوز بهذه المعركة مفتاح النجاح في الإنتخابات أو الفشل فيها.

بقلم:
ذ.هشام الدكاني

قد يعجبك ايضا

اترك رد