” الفقر والفقراء: نظرة عن كثب “

هشام الدكاني: بيان مراكش

إن ٱختلاف الناس في الأرزاق سنة كونية ، جعلها الله سببا من أسباب المفاضلة في الرزق ، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة ، ولكن ليبلو بعضهم ببعض ويمتحن صبر هذا وثبات ذاك.
لكن ، أسوأ من الفقر هي الأبواب التي تغلق في وجوه الفقراء..في نفس الوقت التي تغلق على الأغنياء لقضاء حوائجهم في هدوء وسلاسة برغم تساوي القدرات إن لم يكن تفوق الفقراء عليهم..
ليست المشكلة في الفقر ، بل المشكلة فيما ينتج عنه من تغير في الأفكار والأعمال…
بل إن ٱنعدام ثقة الفقير بالمجتمع وفقدان ٱحترامه لمبادئ التعايش ، ينتج عنه التعدي على ممتلكات الغير (سرقة ، نهب ووو…)
ففقدان الرغبة في الحياة ، ينتج عنه من البحث عن المهالك والإنخراط في أعمال الإجرام والإسترزاق من الصراعات لأجل كسب المال القذر.

بل أسوأ ما في الفقر ، ما يترتب عليه من تآكل لقيم الكفاح والإجتهاد والعصامية والنزاهة للوصول إلى الطموح والآمال ، مقابل تغول قيم المحسوبيات والوساطات والمجاملات التي تفتح في وجوه أبناء الذوات حتى ولو كانوا بلا خيال ولا عقل ولا مواهب..!

أسوأ ما في الفقر ، ٱنشغال الفقراء عن التعليم بتحصيل المال ، بينما يفترض أن يدخلوا المدارس ، وإذا قدر لهم ذلك، فتلك المخصصة لأمثالهم من المحرومين ، ليس لها من المدارس إلا ٱسمها!
وإذا قدر لهم مواصلة التعليم فبقدر هائل من الضغوط وتحمل مشاق الحياة ، بحيث يصعب إن لم يكن يستحيل عليهم الأداء بشكل جيد في التحصيل العلمي.

أسوأ من الفقر ، هو منع الفقراء في حال قدرتهم على التعليم والتأهيل من الوصول الى مناصب أو مراتب قيادية ، بحجة قلة خبرتهم في إدارة شؤون العامة ، وكيف تكون لديهم خبرة وغيرهم من أبناء الفاسدين من الأغنياء يتدربون منذ الصغر على قيادة الشعوب كقطعان تم توريثها من الوالد للولد ، ليتخرج أحدهم من المدرسة او الجامعة مديرا أو مسيرا ، بينما نظراؤهم من الفقراء لم يحصلوا سوى على فتاث الوظائف الهزيلة ، هذا وإن وجدت!!!

أسوأ من الفقر المبالغة في تطبيق القوانين والشروط إذا كان المعني هو الفقير ، وتجاهلها تماما إذا كان الغني هو المعني بالأمر.

أسوأ من الفقر ، الأمراض التي تفتك بهم بسبب وضعهم المادي ومستواهم المعيشي ، وبسبب عدم قدرتهم على تحمل مصاريف العلاج ، فترى مريضهم يموت بأمراض أصبح وجودها وتسببها في الوفاة جزءا من تاريخ الطب البعيد!!!
فهم ينتظرون الموت لعدم قدرتهم على تحمل نفقات العلاج ، ليكون موتهم وصمة عار في جبين الطب والسياسة والمجتمع.

أسوأ من الفقر ، طعم المرارة الذي يظل عالقا في فم الفقير حتى لو أصبح غنيا فيما بعد..

أسوأ من الفقر ، ٱنحياز الأغنياء لبعضهم والفقراء لبعضهم ، وتكوين مجتمعات معزولة عن بعضها ، بحيث يتهرب الأغنياء من مخالطة ومعاشرة ومصاهرة الفقراء ، ويتهرب المسؤولين من مخالطة أبناء دوائرهم الإنتخابية بعد فوزهم فيها ، والدبلوماسيون من مخالطة أبناء جاليات بلدهم الفقراء في بلاد الغربة ، حتى ولو كانوا هم سبب علوهم ورفعتهم.. وحتى لو كان هؤلاء الأغنياء في الأصل من محدودي الدخل الذي ٱنتهزوا الفرص وتسلقوا السلالم بطرقهم الخاصة.

أسوأ ما في الفقر ، أن القضاء عليه لا ينبغي إلا أن يكون بالطرق الصحيحة ، لأنه لو حصل بغيرها ، لتحول إلى كارثة ٱجتماعية أخرى لا تقل ضررا عن الفقر ذاته ، حيث يتحول هؤلاء إلى عصابات تهوى النهب والسلب والإنتقام من كل شيء ، وعدم الشعور بحاجة الفقراء الذين كان هؤلاء المتسلقين أنفسهم جزءا منهم ، لتخيب آخر آمال الفقراء في وجود من يشعر بهم ويمثلهم لدى المسؤولين وصناع القرار.

إذا.. ما هو أسوأ من الفقر؟
هو الفساد المجتمعي والسياسي والتعليمي والصحي والأخلاقي والنفسي الناتج عن تكدس المال والثراء في فئات معينة ، وبقاء المال دولة بين الأغنياء منهم.
لذلك ، لا نستغرب المقولة المنسوبة للإمام علي -كرم الله وجهه حين قال: ” لو كان الفقر رجلا.. لقتلته “.

Comments (0)
Add Comment